الطلاق يقع في آخر جزء من آخر الحياة، وفي تلك الحال الملك قائم.
والحاصل أنهما يقولان بمقارنة الوقوع القدومَ والدخول والموت وبالاقتصار في الأفعال كلها، وأبو حنيفة رحمه الله قال بمقارنة الوقوع الدخول والقدوم، وبالاقتصار فيهما ويسبق الوقوع الموت والاستثناء فيه، فهما يقولان: هذه الأفعال للشروط من وجه من حيث إنّها ملفوظة على خطر الوجود، ويقف وقوع الطلاق عليها معرفات من وجه حيث إنَّ الزوج ما ذكرها بحرف الشرط، ولكن أضاف الطلاق إلى زمان موصوف بأنّه قبل هذه الأفعال بشهر، فكانت هذه الأفعال معرّفة إيّانا أن الشهر السابق بهذه الصفة.
ولو كانت معرفة من كل وجه لوقع الطلاق من أوّل الشهر من كلّ وجه، كما لو قال لها أنتِ طالق قبل رمضان بشهر، فإنَّ هناك يقع الطلاق في أوّل شعبان من كل وجه، ولو كانت شروطاً من كل لوقع الطلاق بعدها مقصوراً عليها من كلّ وجه، كما لو ذكرها بحرف الشرط صريحاً بأن قال؛ إن قدم فلان، إن مات فلان، إن دخلت الدار، فأنتِ طالق قبل ذلك بشهر، فإذا كانت شروطاً من وجه معرفات من وجه، قلنا بالوقوع بعدها، عملاً بالشرطية. وقلنا بالاستناد عملاً بالمعرفية، ولأبي حنيفة رحمه الله أن الموت ليس بشرط لوقوع الطلاق؛ لأن الموت أمر لا يدخل تحت الأمر والنهي وما لا يدخل تحت الأمر والنهي لا يصلح شرطاً، لوقوع الطلاق؛ لأن المقصود من الأيمان النهي عن إيجاد شرط وقوع الطلاق، فبذكر ما لا يدخل تحت الأمر والنهي يعلم أنّه لم يقصد به النهي عنها، فلا يكون شرطاً. وذكرها لتعريف الوقت المضاف إليه الطلاق، والتعريف حاصل قبله بآخر أجزاء حياته؛ لأنّ آخر أجزاء حياته يتصل بموته بتقدير الله عزّ وجلّ لا يفصل عنه إلا أنّا لا نعرف آخر أجزاء حياته (٢٥٢أ١) إلا بالموت، فبالموت عرفنا وجود ذلك الجزء قبله، فهو معنى قولنا: إنَّ التعريف حاصل قبل الموت بآخر جزء من أجزاء حياته، فيقع الطلاق في آخر جزء من أجزاء حياته. ويستند إلى أوّل الشهر، بخلاف الدخول والقدوم وما شاكلهما؛ لأن هذه الأشياء تدخل تحت الأمر والنهي، فأمكن جعلها شرطاً، فيقع الطلاق عندها مقصوراً عليها على ما ذكرنا، فهذه النكتة منقولة عن القاضي الإمام الكبير أبي زيد رحمه الله.
ولو قال لها: أنتِ طالق قبل موت فلان وفلان بشهر فمات أحدهما قبل تمام الشهر لم تطلق بهذه اليمين أبداً، لانعدام الوقت المضاف إليه الطلاق وهو شهر بعد اليمين موصوف بأنّه قبل موتهما. وإن مضى شهر من وقت اليمين ثمَّ مات أحدهما طلقت، ولا ينتظر موت الآخر؛ لأن بموت أحدهما تيقنا بوجود الوقت المضاف إليه الطلاق، وهو شهر قبل موتهما يتصل بآخره موت أحدهما؛ لأن اتصالهما بآخر الشهر إنّما يكون بوقوعهما معاً، واقتران بالشهر موتهما ممتنع عادة،