الغد لا يجوز تعجيله قبل مجيء الغد، فعلم أن المضاف قرب المنجز، فكان المعلّق أخف، فيعتبر الأخف ويلغوا الوقت، ولكن هذه العلّة إنّما تتأتى فيما إذا وجد الفعل أوّلاً، ولا تتأتى فيما إذا وجد الوقت أوّلاً، واستشهد محمّد رحمه الله لإيضاح هذه المسألة في «الزيادات» بمسألة أخرى، فقال: ألا ترى أنّه لو قال لها أنتِ طالق غداً، أو إن شئت، فشاءت الساعة أنه يقع الطلاق، ولا ينتظر مجيء الغدّ، ويجعل كأنَّ المضموم إلى المشيئة فعل آخر، فكان الطلاق معلقاً بأحد الفعلين، فكذا في مسألتنا إلا أنَّ بين مسألتنا، وبين مسألة الاستشهاد فرق، فإنَّ في مسألة الاستشهاد إذا قامت عن مجلسها قبل أن تشاء طلقت غداً، وفي مسألتنا هذه إذا جاء رأس الشهر قبل أن يقدم فلان لا تطلق ما لم يقدم فلان.
وفي «نوادر ابن سماعة» قال: سمعت أبا يوسف رحمه الله يقول: إذا قال لامرأته أنتِ طالق إن دخلت الدار، أو بعد غد، فدخلت الدار اليوم قال: لا تطلق حتّى يجيء بعد الغد، قال: وهذا بمنزلة وقتين.
وقال محمّد رحمه الله: إن دخلت الدار اليوم طلقت قبل مجيء بعد الغد، وهذه الرواية عن أبي يوسف رحمه الله تخالف ما ذكر محّمد رحمه الله في «الزيادات» .
وعن أبي يوسف رحمه الله أيضاً أنّه إذا علق الطلاق بوقت وفعل على الشك، فهو بمنزلة فعلين، قال الحاكم أبو الفضل رحمه الله: يريد به أن الطلاق يقع بأيهما سبق، وهذه الرواية توافق ما ذكر محمّد رحمه الله في «الزيادات» ، ومتى جمع بين الوقت والفعل وأضاف الطلاق إليهما بأن قال لها: أنتِ طالق غداً، وإذا قدم فلان فهاتان تطليقتان تطلق غداً واحدة، وإذا قدم فلان أخرى؛ لأنّه لا مجانسة بين الوقت وبين الفعل، حتّى يصير جزاء الأوّل جزاء الثاني بحكم العطف إذ المشاركة إنّما تثبت في جنس واحد، لا في جنسين. وقد ذكر للثاني (٢٥٣ب١) حرف الشرط، ولم يذكر له جزاء، فاستدعى الثاني جزاء آخر، فصار تقدير المسألة كأنّه قال: أنت طالق غداً، وإذا قدم فلان فأنتِ طالق تطليقة أخرى، بخلاف ما إذا ذكر فعلين أو وقتين؛ لأنَّ هناك الثاني من جنس الأوّل، فصار جزاء الأوّل جزاءً للثاني بحكم العطف، فلم يستدعي الثاني جزاء آخر.
فروى ابن سماعة عن محمّد رحمهما الله فيمن قال لامرأته: أنتِ طالق السّاعة، وإذا جاء غد وإذا جاء بعد غد، فهي طالق السّاعة واحدة وإذا جاء غد أخرى: ولا تطلق بمجيء ما بعد الغد؛ لأنَّ قوله إذا جاء غد فعل وقوله، وإذا جاء بعد غد فعل آخر، فإنّما يقع بأوّل الفعلين ويسقط اليمين، قال: ألا ترى أنّه لو قال أنتِ طالق إن دخلت هذه الدّار وإن دخلت هذه الدّار فدخلت إحدى الدّارين طلقت، وسقطت اليمين حتّى لا تطلق بدخول الدّار الأخرى، كذا ها هنا.
وروى بشر عن أبي يوسف رحمهما الله، فيمن قال لامرأته: أنتِ طالق اليوم، وإن دخلت الدّار فهي طالق حين تكلم، وإن دخلت الدار أخرى وهذا وما لو قال لها أنتِ طالق غداً وإذا قدم فلان سواء.