العطف إذ العطف يقتضي المشاركة بين المعطوف وبين المعطوف عليه، فيما هو ناقص، ويصير تقدير المسألة؛ كأنّه قال أنتِ طالق إذا قدم فلان، وإذا قدم فلان آخر فأنتِ طالق تلك التطليقة ولو نصَّ على ذلك كان الجواب كما قلنا فها هنا كذلك.
وأمّا إذا لم يذكر للثاني حرف الشرط فالثاني ناقص في معنى الشرطية، كما هو ناقص في معنى الجزائية وقد عطفه على الأول بحرف الجمع، والجمع بحرف الجمع كالجمع بلفظ الجمع، فصار كأنّه قال: أنتِ طالق إذا قدما.
الوجه الثاني: أن يكون الجزاء وسط الفعلين، بأن قال لها إذا قدم فلان، فأنتِ طالق، وإذا قدم فلان فالجواب فيه كالجواب فيما إذا قدّم الجزاء؛ لأنّ قوله إذا قدم فلان، فأنتِ طالق يمين تامّة، فإذا قال وإذا قدم فلان فقد ذكر حرف الشرط ولم يذكر له الجزاء، فصار جزاء الأوّل جزاءً للثاني بحكم العطف.
الوجه الثالث: أن يكون الجزاء مؤخراً عن الفعلين، بأن قال: إذا قدم فلان، وإذا قدم فلان فأنتِ طالق، فما لم يقدما لا يقع الطلاق لأنَّ قوله إذا قدم فلان ليس بكلام تامّ، بل هو شرط محض، وإذا قال: وإذا قدم فلان، فهذا أيضاً شرط محض، وقد جمع بينهما، فصار كالمجموع بلفظ الجمع فكأنّه قال: إذا قدما فأنتِ طالق، بخلاف ما إذا قدم الجزاء أو وسط؛ لأن هناك الكلام الأوّل يمين تامة على ما ذكرنا والكلام الثاني تام في معنى الشرطية ناقص في معنى الجزائية على ما مرّ.
وإذا جمع بين وقت وفعل وأضاف الطلاق إلى أحدهما، بأن قال لها: أنتِ طالق رأس الشهر أو إذا قدم فلان، فإن وجد الفعل أوّلاً بأن قدم فلان في هذه الصورة أوّلاً يقع الطلاق، ويجعل كأنَّ المضموم إليه فعل آخر، فكان هذا طلاقاً معلقاً بأحد الفعلين فيقع بأولهما، وإن جاء رأس الشهر أوّلاً لا يقع الطلاق ما لم يقدم فلان، ويجعل كأن المضموم إليه وقت آخر كأنّه قال: أنتِ طالق رأس الشهر أو وقت قدوم فلان، فكان الطلاق مضافاً إلى أحد الوقتين، فيقع بآخرهما.
واختلفت عبارة المشايخ في بيان العلّة، فعبارة بعضهم: إنَّ الجمع بين قضيّة الفعل وبين قضيّة الوقت متعذر، لما بين الإضافة والتعليق من التضاد وجب القول بالترجيح، فرجحنا السابق؛ لأنّه لا (حكم) له فيعطى له حكمه ويجعل الآخر تبعاً له، فإن وجد الفعل أولاً جعل كأن المضموم إليه فعل آخر وإن وجد الوقت أوّلاً، جعل كأنَّ المضموم إليه وقت آخر.
وعبارة القاضي الإمام أبي سعيد البردعي رحمه الله أنَّ من أوقع أحد الطلاقين، إمّا الأخف وإمّا الأغلظ يقع الأخف، وقد أتى بالمضاف إلى الوقت أو بالمعلق بالفعل، والمعلق أخف من المضاف؛ لأن المضاف أقرب إلى المنجّز من المعلق، ألا ترى أنَّ من قال لامرأته: إن حلفت بعتق عبدي، فأنتِ طالق ثمَّ قال لعبده أنت حرّ غداً لا تطلق امرأته، كما لو قال أعتقت للحال. وكذا النذر المضاف إلى الغد يجوز تعجيله قبل مجيء الغد، بأن قال: لله تعالى عليَّ أن أصدّق بدرهم غداً، فتصدق اليوم والنذر المعلق بمجيء