للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتناول الميتة ما لم يتناول تلك اللقمة، والدليل أن من وجد سؤر حمار يلزمه استعماله فكذلك ههنا، بل هذا أولى؛ لأن سؤر الحمار طهور من وجه دون وجه، وهذا الماء طهور من كل وجه، فلما لزمه استعمال سؤر الحمار فهذا أولى، ولأن الطهارة شرط جواز الصلاة، وقد عجز عن استعمال البعض، والعجز عن استعمال البعض لا يسقط الكل قياساً على الطهارة عن النجاسة الحقيقية وقياساً على ستر العورة، فإنه لو وجد من الماء قدر ما يغسل بعض النجاسة أو وجد من الثوب قدر ما يستر بعض العورة يلزمه ذلك حتى لو لم يفعل لا تجوز صلاته كذلك ههنا.

وعلماؤنا احتجوا بهذه الآية أيضاً، فالله تعالى شرط جواز التيمم عدم الماء الذي يطهر، ألا ترى أن الماء النجس لا يمنعه من التيمم وقد عدم ههنا الماء الذي يطهره، فيجوز له التيمم، ولأنه معطوف على ما سبق، فقد سبق بيان حكم الوضوء والاغتسال ثم عطف عليه قوله: {فلم تجدوا ماء} (النساء: ٤٣) فيكون المفهوم منه ذلك الماء الذي يتوضؤون به، ويغتسلون عند الجنابة، وهو غير واجد لذلك الماء، ولأنه إذا لم يطهره استعمال هذا الماء لا يكون في استعماله إلا تضييعه، والماء من أعز الأشياء في السفر، فلا فائدة في استعماله كالمكفر بالصوم إذا وجد بعض الرقبة جاز له الصوم، وكذلك إذا وجد قبل الشروع في الصوم لا يلزمه الإعتاق، ويجوز له الصوم؛ لأن ذلك القدر من الرقبة لا يقع به التكفير، فكذلك ههنا، فتكون الآية حجة لنا من الوجه الذي بينا.

قوله: واجد للماء، قلنا: نعم، ولكن هذا القدر من الماء لا يكفي لإباحة الصلاة، وأما المخمصة، قلنا: لا يلزمه مراعاة الترتيب، فإن ما معه من الحلال إذا كان لا يكفيه لسد الرمق، فله أن يتناول معه الميتة.

وأما سؤر الحمار قلنا ذلك لأن ... الحدث.... فيمنع لهذا ... أما ههنا لا يزول الحدث بهذا القدر من الماء بيقين، فلم يكن هذا نظير ذلك.

قوله: الطاهر عن الحدث شرط من شرائط الجواز، فصار كالنجاسة الحقيقية وستر العورة، قلنا: من مشايخنا من سوى بينهما، وقال: إذا وجد من الماء قدر ما لا يزيل كل النجاسة بل يبقى على الثوب بعدما غسل مقدار ما يمنع من جواز الصلاة، فإنه لا تلزمه الإزالة، وكذلك في الثوب.

ولئن سلمنا فنقول: إن غسل بعض النجاسة الحقيقية مفيد؛ لأن بعض النجاسة يزول على الحقيقة، وكذا بعض الانكشاف يزول ببعض الستر، وهو مأمور بإزالة النجاسة والستر حقيقة وحكماً فإذا قدر عليها يفرض عليه ذلك، وإذا قدر على إزالته حقيقة دون الحكم، فما عجز عنه يسقط، وما قدر عليه لزمه، أما ههنا غسل بعض الأعضاء لا يفيد له إباحة الصلاة وهي مشروعة لإباحة الصلاة، فإذا لم تُفِدْ له الإباحة، فوجوده وعدمه

<<  <  ج: ص:  >  >>