التعليق، فحينئذٍ يديّن فيما بينه وبين الله تعالى، ولا يديّن في القضاء، وإن كان الجزاء فعلاً، إمّا فعلاً مستقبلاً أو فعلاً ماضياً فالجزاء يتعلق بالشرط بدون حرف الفاء، به ورد الاستعمال، قال الله تعالى:{لَّيْسَ بِأَمَنِيّكُمْ وَلآ أَمَانِىّ أَهْلِ الْكِتَبِ مَن يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً}(النساء: ١٢٣) ويقول الرجل لغيره إن زرتني زرتك أو أزورك، ويبنى على هذا الأصل ما إذا قال لها: إن دخلت الدّار فأنتِ طالق، فإنها تطلق للحال لأنَّ الشرط سابق والجزاء اسم ولا يتعلّق بدون حرف الفاء، وإن قال: عنيت التعليق يديّن أصلاً، هكذا ذكر في «الجامع» ، وبعض مشايخنا قالوا: نسأل الزوج كيف نويت التعليق؟ إن قال بإضمار حرف الفاء لا تصحّ نيّته أصلاً، وإن قال بالتقديم والتأخير تصح نيّته فيما بينه وبين الله تعالى ولا يصحّ في القضاء.
وكذلك إذا قال لها: أنتِ وإن دخلت الدّار أنتِ طالق تطلّق للحال، وإن عنى التعليق ديّن فيما بينه وبين الله تعالى، وكذلك إذا قال لها: أنتِ طالق وإن دخلت الدار، فإنّها تطلق للحال؛ لأنَّ الواو في مثل هذا التحقيق بقول الرّجل لغيره أحسن إلى فلان وإن أساء إليك، ومعناه: أحسن إلى فلان على كلّ حال أساء إليك أو لم يسء فكذا ها هنا. معنى كلام الزوج أنتِ طالق على كلّ حال، وإن عنى التعليق لا يديّن أصلاً، لا في القضاء ولا فيما بينه وبين الله تعالى، ولم يذكر محمّد رحمه الله ما إذا نوى به بيان الحال، ومعناه أنتِ طالق في حال دخولك الدّار.
وحكي عن أبي الحسن الكرخي رحمه الله أنّه قال: يجب أن تصحّ نيّته؛ لأنّ الواو في مثل هذا يذكر الحال بقول الرجل لامرأته: أنتِ طالق راكبة، ومعناه: أنتِ طالق في حال ركوبك، وقد نوى ما يحتمله لفظه، ولو قال لها: أنتِ طالق ولم يذكر بعده حالاً لم يذكر محمّد رحمه الله هذه في الكتب الظاهرة، وفي «النوادر» المسألة مذكورة على الخلاف، على قول محمّد رحمه الله يقع الطلاق لا يخلو من ثلاثة أوجه: أمّا إن كان مضافاً ولم توجد الإضافة ها هنا، وإمّا أن يكون معلّقاً ولا تعليق ها هنا إذ لم يذكر عقيب الشرط فعلاً يتعلّق به، فيتعيّن تنجيزاً أو إيقاعاً للحال، وعلى قول أبي يوسف: لا يقع الطلاق إلا إذا ذكر عقيب الشرط فعلاً أنها لا يقع الطلاق في الحال؛ لأن بذكر الشرط يتبيّن أنَّ ما أراد به الإرسال، وهذا المعنى ينبىء عن ذكر الشرط، لا عن ذكر الفعل عقيب الشرط، والكلام مع ذكر الشرط لا يكون إرسالاً أصلاً.
ولو قال لها أنتِ طالق، ثمَّ إن دخلت الدّار فإنّه يقع الطلاق عليها للحال، ولو نوى التعليق لا يصحّ بيَّتَهُ أصلاً، وأمّا إذا نوى المقارنة بأن نوى وقوع الطلاق مقارناً لدخول الدار، لم يذكر محمّد رحمه الله هذه المسألة في شيء من الكتب، وكان القاضي الإمام أبو الهيثم يحكي عن القضاة الثلاثة: أنّه تصحّ نيته فيما بينه وبين ربّه؛ لأنّه نوى ما يحتمله لأنَّ كلمة ثمَّ تذكر ويراد بها الجمع والمقارنة بين الشيئين مجازاً قال الله تعالى:{فَكُّ رَقَبَةٍ فَادْخُلِى أَحَدٌ النَّفْسُ الإِنسَنُ الإِنسَنُ أَوْ إِطْعَامٌ فِى يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ فَادْخُلِى أَحَدٌ الْمُطْمَئِنَّةُ الإِنسَنُ الإِنسَنُ يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ فَادْخُلِى أَحَدٌ ارْجِعِى الإِنسَنُ الإِنسَنُ أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ فَادْخُلِى أَحَدٌ إِلَى الإِنسَنُ الإِنسَنُ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْمَرْحَمَةِ جَلَّهَا نَارٌ تَلهَا الَّذِينَ الَّذِينَ}(البلد: ١٣ * ١٧) ، وكان المراد من ذلك