وهو نظير ما لو قال لها: إن خرجت من هذه الدّار إلا بملحفة، فخرجت بغير ملحفة طلقت فطريقه ما قلنا. والحيلة للزوج في ذلك أن يقول لها: كلّما شئت الخروج فقد أذنت لك، فإن أذن لها بالخروج في كلِّ مرّة ثمَّ نهاها عن الخروج؛ قال محمّد رحمه الله: يُعمل نهيه، وقال أبو يوسف: لا يعمل، وأجمعوا على أنّه لو أذن لها بالخروج مرّة ثمَّ نهاها يعمل نهيه.
ولو قال لها: أنتِ طالق إن خرجت من هذه الدّار حتّى آذن لك، فأذن لها بالخروج مرة بينهنّ اليمين، حتّى لو خرجت بعد ذلك بغير إذن لا تطلق؛ لأنَّ كلمة حتّى كلمة غاية، وقد دخلت على ما يقبل التأقيت، فإن اليمين يقبل التأقيت بوقت، ألا ترى أنَّ من قال لامرأته: أنتِ طالق إن خرج فلان من هذه الدّار حتّى الليلة، أو قال: إلى الليلة كانت اليمين مؤقتة. إذا ثبت هذا فنقول: الزوج جعل ليمينه غاية، وهو إذن، فإذا وجد الإذن مرّة فقد وجدت الغاية فتنتهي اليمين فلا تطلق بعد ذلك وإن خرجت بغير إذنه، وإن عنى بقوله حتّى آذن إلا بإذني صحّت نيته فيما بينه وبين الله تعالى وفي القضاء؛ لأنّه نوى ما يحتمله كلامه وفيه تغليظ عليه، وإن عنى بقوله: إلا بإذني حتّى آذن صحّت نيته فيما بينه وبين الله تعالى، ولا تصحّ نيته في القضاء، وفي إحدى الروايتين عن أبي يوسف في القضاء.
ذكر المسألة في «الجامع» من غير ذكر خلاف، وذكر القدوري أنّ على قول أبي حنيفة ومحمّد، وإحدى الروايتين عن أبي يوسف رحمهم الله، وفي رواية عن أبي يوسف: لا تصحّ نيته في القضاء، والوجه لهم: أنَّ (٢٦٨أ١) أنَّ التكرار ما ثبت بصريح اللفظ، بل بدلالة حرف الباء، فإذا نوى مرّة واحدة فقد نوى صريح لفظه، فيصدّقه القاضي في ذلك. ولو قال لها: أنتِ طالق إن خرجت من هذه الدّار إلا أن آذن لك، فهذا وما لو قال: حتّى آذن لك سواء حتّى ينتهي اليمين بالإذن مرّة.
إذا قال لها: إن خرجت من هذه الدّار من غير إذني فأنتِ طالق، فأذن لها بالعربية فخرجت تطلق؛ لأنَّ العلم شرط تحقق الإذن، ولم يوجد. ونظير هذا ما لو أذن لها وهي نائمة أو غائبة، هكذا ذكر في «النوازل» وفي «أيمان القدوري» إذا أذن لها وهي نائمة فهو إذن.
وفي أيمان «الأصل» : إذا أذن لها من حيث لا تسمع لم يكن إذناً، إن خرجت بعد ذلك طلقت في قول أبي حنيفة ومحمّد، وقال أبو يوسف رحمهما الله: هو إذن، ولو خرجت بعد ذلك لم تطلق، أبو يوسف يقول: الإذن يقوم بالإذن وحده وقد وجد، فهو بمنزلة ما لو أذن لها وهي نائمة، وهما قالا: الإذن مشتق من الأذان، وهو الإعلام، ومعنى الإعلام لا يحصل إلا بوصول الكلام إلى سمعها، بخلاف ما إذا أذن لها وهي نائمة؛ لأنَّ هناك وصل الكلام إلى سمعها إلا أنّه لم يحصل لها لمانع، فهو بمنزلة ما لو أذن لها وهي عاقلة، وحكي عن أبي شجاع: أنّه لا خلاف في هذه المسألة، وإنّما الخلاف في الأمر، إلا أنّ أبا سليمان حكى الخلاف في الإذن.