للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نوع آخر في عطف الشروط بعضها على البعض

يجب أن تعلم بأنَّ الحالف إذا ذكر شرطين وذكر بينهما جزاء يقدّر كلّ شرط في موضعه يعتبر الشرط الأوّل شرطاً لانعقاد اليمين، والشرط الثاني شرطاً لانحلال اليمين ويزول الجزاء؛ لأنّ الشرط الأوّل إذا ذكر يتحقق الجزاء؛ لأنّ الشرط بدون الجزاء لا يعتبر لأنّه لا يعتد، وإنما يصير معتداً بالجزاء، والجزاء ما يذكر عقيب حرف الفاء، والمذكور عقيب حرف الفاء يمين عامّة، وهي الشرط والجزاء، فيجعل جزاء الشرط الأوّل، إذ اليمين الثانية تصلح جزاءً للشرط، وإذا صارت جزاءً للشرط الأوّل يوجب وجود اليمين وانعقادها على وجود الشرط الأوّل، فإذا وجد الشرط لأوّل انعقدت اليمين وتعلّق الجزاء بالشرط الثاني حتّى يزول بوجوده، فهو معنى قولنا: إن الشرط الأوّل يعتبر شرطاً لانعقاد اليمين، والشرط الثاني يعتبر شرطاً لانحلال اليمين ويزول الجزاءان.

هذا الأصل فيما إذا قال: كل امرأة أتزوّجها فهي طالق إن كلمت فلاناً، فتزوّج امرأة قبل الكلام وامرأة بعد الكلام تطلق المتزوّجة قبل الكلام، ولا تطلق المتزوّجة بعد الكلام عند أبي يوسف ومحمّد رحمهما الله، هكذا ذكر المسألة في «الجامع» وروى أصحاب «الأمالي» عن أبي يوسف: أنّه تطلق المتزوّجة بعد الكلام، ولا تطلق المتزوّجة قبل الكلام. بعض مشايخنا قالوا: ذكر في «الإملاء» قول أبي يوسف رحمه الله أوّلاً، وما ذكر في «الجامع» قول أبي يوسف آخراً، وبعضهم قالوا في المسألة روايتان عن أبي يوسف، وهذا إذا لم يوقّت لذلك وقتاً.

وأمّا إذا وقّت لذلك وقتاً بأن قال: كلّ امرأة أتزوّجها أبداً، أو إلى ثلاثين سنة تطلق المتزوّجة قبل الكلام والمتزوّجة بعد الكلام، وهذا إذا قدم ذكر الوقت، وأمّا لو قدّم ذكر الكلام بأن قال: إن كلّمت فلاناً فكلُّ امرأة أتزوّجها أبداً أو إلى ثلاثين سنة فهي طالق، تطلق المتزوّجة بعد الكلام ولا تطلق المتزوّجة قبل الكلام، وإنّما وقع الفرق بين تقديم ذكر الوقت وتأخيره؛ لأنّه إذا قدّم ذكر الوقت فقد أوقع الطلاق على كلّ امرأة يتزوّجها في ذلك الوقت، إلا وأن يجعل الكلام شرطاً ليزول الجزاء في حقّ المتزوّجة قبل الكلام وحقّ شرط الانعقاد لليمين في حقّ المتزوّجة بعد الكلام.

وإذا قدّم ذكر الكلام فقد أوقع الطلاق على كلّ امرأة يتزوّجها بعد الكلام أبداً، وأمكن القول بوقوع الطلاق على كلّ امرأة يتزوّجها بعد الكلام أبداً من غير تعيين ومن غير أن يعتبر الشرط الواحد شرطاً لانعقاد اليمين، وليزول الجزاء، فاعتبرنا الكلام شرطاً لانعقاد اليمين لا غير، وصار كأنّه قال عند الكلام: كلّ امرأة أتزوّجها أبداً فهي طالق، فيقع الطلاق على كلّ امرأة يتزوّجها بعد الكلام (٢٧١ب١) ، ثمَّ إذا لم يذكر الوقت حتّى لم تطلق المتزوّجة بعد الكلام. لو كلّم فلاناً مرة أخرى هل تطلق؟ ذكر في «الجامع» أنها لا تطلق؛ لأنّها لو طلقت؛ أمّا إن طلقت بالكلام الأوّل ولا وجه له؛ لأنّه وجد قبل انعقاد اليمين، وأمّا إن طلقت بالكلام الثاني ولا وجه إليه؛ لأنّ الكلام حينئذٍ يصير شرطاً متكرّراً

<<  <  ج: ص:  >  >>