وبين الدخول، وغيره من المشايخ قالوا: لا بل ما ذكر من الجواب صحيح على قول الكلّ، وفرّقوا بين هذه المسألة وبين مسألة كتاب الإقرار. والفرق: أنّ في مسألة الإقرار قوله: وحرٌّ في المرّة الثانية، إن كان تكراراً من حيث المعنى والاعتبار؛ لأن حرٌّ بيان لا يتصوّر (أن) ينويهما في عبد واحد، فمن حيث اللفظ ليس بتكرار؛ لأنّه عطف الثاني على الأوّل والشيء لا يعطف على نفسه إنّما يعطف على غيره، والعبرة في هذا الباب اللفظ، وباعتبار اللفظ هذا ليس بتكرار، وإذا لم يكن تكراراً كان حشواً من الكلام فاعتبر فاصلاً.
أمّا في مسألتنا لم يعطف أحد الشرطين على الآخر؛ لأنّه لم يذكر بينهما حرف العطف، فأمكن جعل الثاني تكراراً، فإذا جعلنا الثاني تكراراً كانا شيئاً واحداً من حيث المعنى والاعتبار، فلا يعتبر فاصلاً، وإن تلك المسألة من مسألتنا ما لو قال: عبدي حرٌّ حرٌّ إن شاء الله، ولو كان هكذا لا يعتق العبد عند أبي حنيفة رحمه الله أيضاً، ولا يصير قوله حرٌّ ثانياً فاصلاً، ولا رواية في هذه المسألة عن أبي حنيفة رحمه الله.
قلنا إنما يمنع على قياس مسألة «الجامع» ووزان مسألتنا من تلك المسألة ما لو قال لها: إن دخلت هذه الدّار، وإن دخلت هذه الدّار فعبدي حرّ، ولو قال هكذا يعتق العبد للحال على قياس قول أبي حنيفة رحمه الله ويصير قوله: وإن دخلت هذه الدّار ثانياً فاصلاً.v
قال في «الجامع» أيضاً: رجل له امرأة لم يدخل بها فقال: كلُّ امرأة لي، وكل امرأة أتزوجها إلى ثلاثين سنة فهي طالق إن دخلت الدّار، فتزوّج امرأة وطلّقها وطلّق التي كانت عنده ثمَّ تزوّجها في الثلاثين سنة، ثمَّ دخلت الدّار طلقت القديمة تطليقتين باليمين سوى التطليقة التي أوقع عليها بالتنجيز، فتطلق ثلاثاً؛ لأنّه انعقد عليها يمين الكون بقوله: كلُّ امرأة لي، ولم يبطل بالبينونة بتطليقة واحدة، والعقد في حقها يمين التزوّج أيضاً بقوله: كلُّ امرأة أتزوّجها إلى ثلاثين سنة، وشرط الحنث فيهما دخول الدّار، فإذا دخل الدار والشرط الواحد يكفي شرطاً في أيمان كثيرة وقع عليها تطليقتان بحكم اليمينين، وأمّا الجديدة فتطلق واحدة باليمين سوى ما أوقع عليها بالتنجيز، فتطلق تطليقتان؛ لأنّ المنعقد في حقّهما بيمين واحدة وهي يمين التزوّج.
ولو أنَّ الزوج حين طلّقها أوّل مرّة لم يتزوّجها حتّى تدخل الدّار ثمَّ تزوّجها طلقت القديمة واحدة بالحنث في يمين التزوّج بنفس التزوّج، وإن كان المنعقد في حقهما يمينان يمين التزوّج ويمين الكون؛ لأنّه حين دخل الدّار قبل أن يتزوّج القديمة فقد وجد شرط الحنث في يمين الكون، وهي ليست في نكاحه ولا عدّته، وأنّه يوجب انحلال اليمين، لا إلى جزاء، وأما الجديدة فلا يقع عليها بالحنث شيء؛ لأنّ المنعقد في حقّها يمين التزوّج، ووقوع الطلاق فيها معلّق بالدخول، وحين دخل الزوج الدّار لم تكن هي في نكاحه ولا عدّته فانحلت اليمين في حقها لا إلى حنث، وحين تزوّجها من أخرى لم تنعقد عليها يمين أخرى؛ لأن عقد اليمين بكلمة كل، وإنها لا توجب تكرار الفعل في المرأة الواحدة، فلا يتكرّر انعقاد اليمين عليها.