للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قصّة موسى عليه السلام: {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِى الْبَحْرِ سَرَباً} (الكهف: ٦١) أضاف النسيان (٢٧٤أ١) إلى الاثنين، والنسيان كان من أحدهما، وهو يوشع بن نون بدليل قوله: {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنّى نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَنُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِى الْبَحْرِ عَجَبًا} (الكهف: ٦٣) والمعنى في ذلك: وهو أنّه ليس في ذكر الاثنين، فإرادة الواحد إرادة الخصوص من العموم، وإرادة الخصوص من العموم شائع في اللغة والشرع، فإذا جاز ذلك جعلنا ذكر الاثنين ههنا مجازاً عن ذكر الواحد، وصار تقدير هذه اليمين: إذا ولدت إحداكما ولداً إذا حاضت إحداكما حيضة. وبهذا يتبيّن أن الطلاق معلّق بفعل إحداهما لا بفعلهما.

لو قال لهما: إذا ولدتما ولدين فأنتما طالقان، فولدت إحداهما ولداً لا تطلق واحدة منهما ما لم تلد كلُّ واحدة منهما ولداً بخلاف الصورة الأولى؛ لأنّ الشرط في الصورة الأولى ولادتهما مطلقاً لا ولادتهما ولداً واحداً وولادتهما مقصورةً، والشرط في الصورة الثانية: ولادتهما ولدين، وولادتهما ولدين مقصور بأن تلد كلُّ واحدة منهما ولداً، فالعمل بحقيقة الكلام هناك ممكن، فلا يصار إلى المجاز، وكذلك في قوله: إن حضتما حيضتين العمل بحقيقة الكلام ممكن على نحو ما قلنا في الولادة، فصار الشرط فعلهما، أمّا ههنا بخلافه، فإذا قال لهما: إذا ولدتما ولدين فأنتما طالقتان، فولدت إحداهما ولدين، أو قال: إذا حضتما فأنتما طالقتان فحاضت إحداهما حيضتين لا تطلق واحدة منهما، ولو حاضت كلُّ واحدة منها حيضة أو ولدت كلُّ واحدة منهما ولداً طلقتا، ولا يشترط ولادة كلِّ واحدة منهما ولدين.

وهو نظير ما لو قال لهما: إن دخلتما بين الدارين فأنتما طالقتان، فدخلت إحداهما داراً ودخلت الأخرى الدّار الأخرى طلقت كلُّ واحدة منها استحساناً، وكذلك إذا قال لهما: إن دخلتما هذه الدّار وهذه الدّار الأخرى فأنتما طالقتان، فدخلت إحداهما داراً ودخلت الأخرى الدّار الأخرى، وهذا استحسان، والقياس في المسألتين أن لا تطلق واحدة منهما حتّى يدخلا هذه الدّار، ويدخلا هذه الدّار الأخرى، وهو رواية عن أبي يوسف رحمه الله في «الأمالي» .

ولو قال لهما: إن دخلتما هذه الدّار، ودخلتما هذه الدّار الأخرى فأنتما طالقتان لا تطلق واحدة منهما ما لم يدخلا هذه الدّار ويدخلا هذه الدّار الأخرى قياساً واستحساناً، والأصل في جنس هذه المسائل: أنّ الجمع المضاف إلى الواحد يعتبر جمعاً في حقّ الواحد المضاف إليه، ولا يعتبر واحداً. ألا ترى أنّ من قال لامرأته: إن لبست ثيابك فأنتِ طالق، فلبست ثوباً واحداً لا تطلق، وهذا لأنّ المتكلّم أضاف الجمع إلى الواحد، فالواحد إبطال القيد الذي ذكره الحالف، وفيه إبطال غرضه وأنّه لا يجوز فيجب اعتبار الجمع في حقّ الآخر إلا إذا لم يمكن اعتبار الجمع في حقّ الواحد، فحينئذٍ يعتبر الواحد.

بيانه في قوله: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالحَقّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>