أحدها: أنّ المرأة إذا باشرت علّة الفرقة أو شرط الفرقة لا ترث، وكذلك إذا باشرت أحد وصفي العلّة وهو آخرهما أو باشرت إحدى العلتين لا ترث، وهذا لأنّ الحكم يضاف إلى العلّة ثبوتاً بها وإلى الشرط وجوداً عنده، فتصير المرأة بمباشرة أحدهما راضية بوقوع الطلاق عليها مقروناً بسبب الطلاق، فلا ترث، وكذا إذا باشرت أحد وصفي العلّة وهو آخرهما وجوداً، وباشرت إحدى العلتين لما عرف أنّ الحكم يضاف إلى أحد الوصفين، وعند اجتماع العلل يضاف الحكم إلى كلّ علّة كأنّه ليس معها علّة أخرى كالقتل العمد الموجود من القاتلين وما أشبه ذلك، فتصير المرأة أيضاً راضية بالطلاق، ومتى باشرت بعض الشرط أو بعض العلَّة أو أحد وصفي العلّة * وهو ليس آخرهما وجوداً * ترث؛ لأنَّ الحكم لا يضاف إليه ثبوتاً به، ولا وجوداً عنده فيما باشرته، ولا تصير المرأة راضية بالفرقة.
وأصل آخر: أنّ الأمر بالطلاق في حقّ المرأة المأمورة بطلاق نفسها تمليك وتفويض حتّى يقتصر على المجلس، وقد مرّ بيان هذا فيما تقدّم.
وأصل آخر: أنّ المأمورين بالطلاق بغير بدل إذا لم يكن الأمر معلّقاً بمسببهما، أو ما أشبهه ذلك يتفرّد أحدهما به؛ لأنّه تصرّف لا يحتاج فيه إلى الرأي والتدبير، فيكون الواحد والمثنى فيه سواء. إذا عرفنا الأصول جئنا إلى تخريج المسألة فنقول: إذا طلقت الأولى نفسها وصاحبتها ثلاثاً في المجلس طلقتا؛ لأنّهما أمرتا بالطلاق بغير بدل ولم يعلّق الأمر بشرط، فتنفرد إحداهما بالإيقاع، ومتى طلقت كلُّ واحدة ثلاثاً بإيقاع الأولى لغى إيقاع الثانية؛ لأنّ الطلاق لا يزيد على الثلاث ولا ترث التي طلقت أوّلاً؛ لأنها لم تباشر علّة الفرقة في حقّها، وترث التي طلقت آخراً؛ لأنّها لم تباشر علة الفرقة ولا شرط الفرقة ولا أحد وصفي علّة الفرقة وهو آخرها، أكثر ما فيه أنَّ قول الآخرة: طلقت نفسي ثلاثاً رضاً منها بوقوع الفرقة، إلا أنَّ هذا رضاً لا يقترن بوقوع الفرقة بل تأخّر عنه، ومثل هذا الرضا لا يبطل حقّها عن الإرث كما لو طلّق الزوج امرأته في مرضه بغير سؤالها، فسألته الطلاق بعد ذلك لا يبطل حقّها عن الإرث بهذا السؤال كذا هذا.
ولو خرج كلامهما معاً بأن قالت كلُّ واحدة منهما ... ؛ لأن وقوع الطلاق على كلّ واحد منهما بإيقاعها على نفسها؛ لأنّ كلّ واحدة منهما مطلقة نفسها بحكم الملك وصاحبها بحكم الوكالة، فاجتمع في حقّ كلِّ واحدة منهما تطليقها وتطليق صاحبتها ولا يمكن الجمع بينهما؛ لأنّ الطلاق لا يزيد على الثلاث، فلا بدَّ من تنفيذ إحداهما، فنقول: تنفيذ تطليق المالك أولى؛ لأنّ تطليق المالك أسبق لأنّ في التوكيل يحتاج إلى نقل عبارة الوكيل إلى الموكّل، وفي تصرّف المالك لا يحتاج إلى النقل، بل يتقيّد بنفسه فكان تطليق المالك أسبق من هذا الوجه، ولما كان وقوع الطلاق على كلّ واحدة منهما بإيقاع نفسها صارت كلّ واحدة منهما مباشرة علّة الفرقة، فلم يرثا لهذا.