وإن قالت كلُّ واحدة منهما: طلقت صاحبتي ونفسي، لم يذكر محمّد رحمه الله هذا الفصل في «الكتاب» وحكي عن أبي الحسن الجقمي رحمه الله أنّهما يرثان، لأنّ كلَّ واحدة منهما إنّما طلقت بفعل صاحبتها، وفعل صاحبتها لا أثر له في حرمانها، وعامّة المشايخ رحمهم الله على أنّهما لا يرثان؛ لأنّ كلّ واحدة منهما إنّما طلقت بفعل نفسها.
بيانه: أنَّ أوّل الكلام يتوقف على آخره إذا وجد في آخره ما يغيّر حكم أوّله، وقد وجد في آخر كلام كلّ واحدة منهما ما (٢٧٨ب١) تغيير حكم أوله؛ لأنّ كلّ واحدة لو اقتصرت على قولها: طلقت صاحبتي تطلق كلّ واحدة بتطليق صاحبتها وترثان، فإذا.... قولها: ونفسي فإنما تطلق كلَّ واحدة منهما بتطليق نفسها لما مرَّ، فتوقّف أوّل الكلام من كلّ واحدة على آخره، فصار هذا وما لو قالت: كل واحدة: طلّقت نفسي وصاحبتي سواء.
ولو طلّقتها إحداهما بأن قالت إحداهما: طلّقت نفسي، وقالت الأخرى: طلقتك، طلقت هي ولا ترث؛ لأنها إنما طلقت بفعل نفسها، فقد باشرت علّة الفرقة وورثت الأخرى؛ لأنّها لم تطلق، بل بقيت منكوحة.
وإن طلقتهما إحداهما بأن قالت إحداهما: طلّقت نفسي وصاحبي طلقتا ولم ترث هي؛ لأنّها حرّمت بفعلها وورثت الأخرى؛ لأنّها حرمت بفعل غيرها، فإن قالت إحداهما: طلّقت صاحبتي ثلاثاً ثمَّ قالت صاحبتها بعد ذلك: طلّقت نفسي ثلاثاً ورثتا؛ لأنّ التي تكلّمت أوّلاً لم تطلق أصلاً والتي تكلّمت آخراً حرمت بفعل غيرها، وإن طلقت كلّ واحدة صاحبتها ورثتا؛ لأنّ كلَّ واحدة طلقت بفعل غيرها. وهذا كلّه إذا كانتا في المجلس.
فأمّا إذا قامتا عن المجلس ثمَّ طلقت كلّ واحدة منهما نفسها وصاحبتها ثلاثاً وخرج الكلامان منهما معاً أو على التعاقب طلقتا وورثتا؛ لأنّ الأمر والتفويض خرج من يد كل واحدة منهما بالقيام عن المجلس، وبقيت الوكالة فصار وقوع الطلاق على كلّ واحدة منهما مضافاً إلى صاحبتها على كلّ حال، فلذلك ورثتا، وكذلك لو طلقت كلّ واحدة منهما صاحبتها، ولو طلقت كلّ واحدة منها نفسها لا يقع الطلاق؛ لأنّ الأمر خرج من يد كلّ واحدة منهما في حقّ نفسها، وإذا لم يقع الطلاق بقيتا منكوحتين فترثان.
ولو قال لهما في مرضه: طلّقا أنفسكما ثلاثاً إن شئتما، وقد دخل بهما فطلقت إحداهما نفسها وصاحبتها ثلاثاً لم تطلق واحدة منهما، بخلاف ما إذا قال: طلّقا أنفسكما ثلاثاً ولم يقل: إن شئتما، فطلقت إحداهما نفسها وصاحبتها حيث تطلقان؛ لأنّ في هذه المسألة علّق التفويض بمشيئتهما، ولم يذكر لذلك سبباً، فانصرف السّابق ذكره وهو طلاقهما كأنه قال: طلّقا أنفسكما إن شئتما طلاقكما، وما شاءتا طلاقهما إنّما شاءت إحداهما ذلك. أمّا في المسألة الأولى التفويض غير معلّق بالشرط، وفي هذا ينفرد أحد