للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لنفسه والشهادة شرعت حجة لغير الشهادة لا للشاهد، واليمين شرعت حجة للحالف، ولأن اللعان شرع مكرراً، والتكرار في اليمين غير مشروع في موضعٍ ما.

والدليل على أن اللعان ليس بشهادة؛ إنا أجمعنا أن اللعان يجري بين الأعمى وبين امرأته، والأعمى ليس من أهل أداء الشهادة؟

قلنا: أما الأول: العمل بينهما ممكن في الجانبين، أما في جانب الزوج فلأن الزوج يحتاج إلى الشهادة ليدفع ما ثبت عن نفسه حد القذف واحتاج إلى اليمين لتنقطع التهمة عن شهادته؛ لأنه يشهد لنفسه والمرأة كذلك تحتاج إلى الشهادة لتدفع ما ثبت عليها من الزنا بشهادة الزوج، فإن الزنا قد ثبت على المرأة بشهادة الزوج، وإليه وقعت الإشارة في كتاب الله تعالى، قال الله تعالى: {ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات با} (النور: ٨) أشار إلى أن العذاب قد يوجه عليها بحجةٍ سبقت ويسقط ذلك بلعانها وهو معقول، فإن ما ثبت بالشهادة لا يندفع إلا بالشهادة ويحتاج إلى اليمين أيضاً لتدفع التهمة عن شهادتها.

واليمين لدفع التهمة مشروعة كما في المودع. وقوله: بأن الشهادةأن تشرع حجة للشاهد، قلنا: إنما لم تشرع حجة لمكان التهمة، وهاهنا انقطعت باليمين.

وقوله: بأن اللعان شرع مكرراً، قلنا: لأن الواجب إقامة أربع شهادات من أربع شهداء، وقد عجز عن إقامة أربع شهود، أما (ما) عجز عن إقامة أربع شهادات.

أما فصل الأعمى قلنا: لأنه من أهل الشهادة إلا أنه إنما لا تقبل شهادته لأنه لا يمكنه اليمين بين المشهود له وبين المشهود عليه إلا بالتهمة بشبه التهمة فيتمكن في شهادته بشبهة الغلط، وهذه التهمة هاهنا؛ لأن المشهود له نفسه والمشهود عليه امرأته، ويمكنه التمييز بين نفسه وبين امرأته بحيث لا تمكن فيه تهمة الغلط.

وأما بيان أنها قائمة مقام حد القذف من وجه من جانب الزوج، ومن جانب المرأة قائمة مقام حد الزنا من وجه؛ لأن اللعان شهادة من الجانبين إلا أنها شهادة حكماً وليست بشهادةٍ حقيقيةً، فمن حيث إنها ليست بشهادة حقيقيةً لم يندفع حد القذف عن الزوج إذا كانت المرأة محصنة، ومن حيث إنها شهادة حكماً ثبت الزنا على المرأة واندفع حد القذف عن الزوج، فكان حد القذف عن الزوج مندفعاً من وجهٍ دون وجه، فلم يجب الحد بالاحتمال، واكتفى باللعان الموجبة للحرمة في الدنيا، والمؤاخذة في الآخرة حداً من جانبه إن كان كاذباً، وكذلك في جانب المرأة ثبت الزنا بشهادة الزوج عليها ولم تندفع شهادتهما لنفسها من كل وجه، بل اندفعت من وجهٍ دون وجه، فلم يجب الحد عليها أيضاً بالاحتمال، واكتفى باللعان الموجبة للحرمة في الدنيا والمؤاخذة في الآخرة حدّاً في جانبها إن كانت كاذبة. ومعنى العقوبة في اللعان في حرمة المتعة في الدنيا على تبيين بعد هذا ونفي المؤاخذة في الآخرة.

فإن قيل: ما ذكرتم من المعنى ليس بصحيح، وإن الزوج لو أكذب نفسه بعد اللعان يقام عليه حد القذف، ولو كان اللعان قائماً مقام حد القذف كان بدلاً عنه، والجمع بين البدل والمبدل لا يجوز.

<<  <  ج: ص:  >  >>