قلنا: اللعان إنما كان قائماً مقام حد القذف من حيث إنه يوجب حرمة المتعة في الدنيا والمؤاخذة في الآخرة لم..... بعد، والأصل أنه إذا ثبتت القدرة على الأصل قبل حصول المقصود من البدل أن يسقط حكم البدل. وحكمة: حرمة الاستمتاع إذا فرغا من اللعان من غير حكم القاضي، حتى أن بعد التلاعن لا يحل لأحدهما الاستمتاع بصاحبه. نصّ عليه محمد رحمه الله في «المنتقى» إلا أن الفرقة لا تثبت إلا بقضاء القاضي بالفرقة بينهما، وإنما ثبتت هذه الحرمة بنفس اللعان بالحديث، قال عليه السلام «المتلاعنان لا يجتمعان أبداً» وفي إباحة الاستمتاع اجتماع، فيحرم الاستمتاع، وإنما يوقف وقوع الفرقة بينهما على قضاء القاضي لحديث العجلاني، فإن رسول الله عليه السلام لما لاعن بين العجلاني وبين امرأته، «قال العجلاني: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فهي طالق ثلاثاً، ولم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلّممقالته» ، ولو كانت الفرقة تقع بنفس اللعان لأنكر.
وعن عمر رضي الله عنه أنه سئل عن السُّنّة بين المتلاعنين فقال: التفريق بينهما متى فرغا من اللعان.
ثم العلماء اختلفوا في حق الحرمة التي ثبتت بينهما بنفس اللعان. قال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله: تثبت حرمة مؤقتة إلى غاية تكذيب أحدهما نفسه. وقال أبو يوسف رحمه الله: تثبت حرمة مؤبدة كحرمة الرضاع والصهرية.
وثمرة الخلاف تظهر فيما إذا أكذب الملاعن نفسه بعدما فرق القاضي بينهما ثم إذا أراد أن يتزوجها قال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى: أن يتزوجها، وقال أبو يوسف وزفر رحمهما الله: ليس له أن يتزوجها.
حجة أبو يوسف وزفر رحمهما الله قوله عليه السلام:«المتلاعنان لا يجتمعان أبداً» . حجة أبي حنيفة رحمه الله: أن الثابت بالنصِّ اللعان بين الزوجين، والثابت (٢٨٧أ١) بالإجماع على أصل الحرمة، فمتى أثبتت الحرمة المؤبدة فقد أثبتت الزيادة على النص والإجماع، وإنه لا يجوز.
والمعنى: أن اللعان غير موضوع للفرقة، وإنما حكم بالفرقة لفوات الإمساك بالمعروف عن جهة الزوج، ويعتبر التسريح بالإحسان، وقيام القاضي مقامه عند امتناعه عن التسريح بالإحسان، ومثل هذا يكون طلاقاً؛ لأن فعل القاضي بثباته كفعله بنفسه، وإذا ثبت أنه طلاق والحرمة الواقعة بالطلاق لا تتأبد والحديث لا حجة له فيه؛ لأن النبي عليه السلام نفى اجتماع المتلاعنين، وحقيقة هذا الاسم لمن يكون مشغولاً