والعتاق لا يكون نازلاً فيه، فيعتبر فيه إنشاء، إذا ثبت هذا فنقول: حرمة الجمع بين الخمس لمعنى يرجع إلى الزوج، وهو أن حقه لا يسع للخمس، والإيجاب المبهم واقع في حقه، فلم يكن جامعاً بين الخمس، فأما حرمة الجمع بين الأختين لمعنى يرجع إليهما وهو صيانتهما عن قطيعة الرحم، والإيجاب المبهم غير واقع في حقهما فيصير جامعاً بينهما.
وفي «فتاوى أبي الليث» رحمه الله: إذا قال لأمتيه: إحداكما حرة، فسئل عن إحديهما بعينها، فقال: لم أعن هذه تعتق الأخرى، ولو سئل عن الأخرى فقال: لم أعن هذه عتقت الأولى أيضاً، فيعتقان جميعاً، وذكر هذه المسألة في «العيون» ووصفها في العبدين، وأجاب بما أجاب في «النوازل» : قال في «النوازل» : وكذلك هذا في الطلاق، فرق بين الطلاق والعتاق والإقرار، فإن من قال لآخر: لهذين رجلين علي ألف درهم، فقيل له: أهو هذا لأحدهما بعينه، فقال: لا، لا يجب للآخر شيء، وأشار الصدر الشهيد رحمه الله في «واقعاته» إلى الفرق، فقال: البيان في الطلاق والعتاق مستحق عليه، ولهذا يجبر عليه، فجعلنا نفي أحدهما تعييناً للآخر ضرورة إخراجه عن عهدة الواجب، أما البيان في الأقرار غير مستحق عليه، ولهذا لا يجبر عليه. ولا ضرورة إلى أن يجعل نفي أحدهما تعييناً للآخر.
وفيما ذكر من الجواب في فصل الطلاق والعتاق نوع إشكال؛ لأن العتق المبهم صورة أن لا يعين واحداً منهما بعينه. فقوله: لم أعن هذا بعينه بيان صورة العتق المبهم، فكيف يقع به الطلاق والعتاق. في «العين» وفي «فتاوى أهل سمرقند» إذا قال: أمة وعبد من رقيقي حران، ولم يبين حتى مات وله عبدان وأمة عتقت الأمة، ومن كل واحد من العبدين نصفه، ويسعى كل واحد في نصفه. ولو كان له ثلاثة، أعبد وأمة عتقت الأمة، ومن كل واحد من العبيد ثلثه، ويسعى كل واحد منهم في ثلثيه، ولو كان له ثلاثة أعبد وثلاث إماء عتق من كل واحد من العبيد والإماء الثلاث ويسعون في الباقي، ولو كان له ثلاثه أعبد وأمتان، عتق من كل أمةٍ نصفها وسعت في النصف وعتق من كل عبد ثلثه، ويسعى في الثلثين. وعلى هذا القياس يخرج جنس هذه المسائل.
قال محمّد رحمه الله في «الجامع الصغير» : رجل قال لعبديه: أحدكما حر، ثم باع أحدهما أو مات أحدهما عتق الآخر، أما إذا مات أحدهما؛ لأن بالموت لم يبق محلاً لإنشاء العتق فلا يبقى محلاً للبيان؛ لأن البيان إنشاء في حق محل العتق. وإذا لم يبق الميت محلاً للبيان تعين الحي ضرورة، وروي عن محمّد رحمه الله فيمن قال: أحد هذين التي أو أحدهما بين أم ولدي، فمات أحدهما لم يتعين القائم للحرية وللاستيلاد عدا إخباره عن أمر سابق، والإخبار يصح في الحي والميت جميعاً، بخلاف البيان؛ لأنه في حكم الإنشاء، فلا يصح إلا في الحي والميت.
ولو مات المولى قبل البيان عتق كل واحد نصفه ولا خيار للوارث؛ لأن خيار التعيين يعرف في اللفظ، والوارث لا يقوم مقامه فيما يرجع إلى التصرف في اللفظ،