مراهقة رأت الدم تركت الصلاة كما رأته وهو اختيار الشيخ الإمام الزاهد أبي حفص الكبير والفقيه محمد بن إبراهيم الميداني والفقيه محمد بن سلمة البلخي رحمهم الله، وعن أبي حنيفة رحمه الله في غير رواية «الأصول أنها لا تترك الصلاة ما لم يستمر بها الدم ثلاثة أيام، وبه كان يقول بشر بن غياث المريسي وجه هذا القول: أنها على يقين بالطهارة وفي شك من الحيض لجواز أن ينقطع الدم فيما دون الثلاث، ولا يُزال اليقين بالشك فلا تترك الصلاة والصوم برؤيتها الدم، فإن استمر بها الدم ثلاثة أيام فصاعداً إلى عشرة تبين أنها كانت حيضاً فلزمها قضاء الصوم ولا يلزمها قضاء الصلوات. وجه القول: أن الله تعالى وصف الحيض بكونه أذىً قال تعالى: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى}(البقرة ٢٢٢) وقد رأته المرأة في وقته فتعلق به حكمه.
وإنما يخرج المرئي من أن يكون حيضاً بالانقطاع فيما دون الثلاث، وفي ذلك شك، فإن انقطع دمها على رأس العشرة، فالعشرة كلها حيض، وإن جاوز العشرة، فالعشرة من أول ما رأت حيض، وباقي الشهر يكون طهراً، لما ذكرنا أن الحيض لا يزيد على العشرة والشهر يشتمل على الحيض والطهر عادة، فإذا جعلت العشرة من أول ما رأت حيضاً كان باقي الشهر طهراً ضرورة، وعن أبي يوسف رحمه الله أنها تأخذ بالاحتياط فتغتسل بعد ثلاثة أيام ثم تصوم وتصلي سبعة أيام بالشك ولا يقربها زوجها ثم تغتسل هي بعد تمام العشرة وتقضي صيام الأيام السبعة لكن الاحتياط في باب العبادة واجب، ومن الجائز أن حيضها كان أقل الحيض فيحتاط لهذا، ولكن هذا ضعيف لأنا عرفنا هذه المرأة حائضاً، ودليل كونها حائضاً ظاهر هو سيلان الدم فلا معنى للاحتياط، وكان إبراهيم النخعي رحمه الله يقدر حيضها بحيض نساء عشيرتها وهو ضعيف لأنها تختلف باختلاف الطبائع والأغذية.
(فرع)
في دائرة هذا الفصل الأصل عند أبي يوسف وهو قول أبي حنيفة آخراً أن الطهر المتخلل بين الدمين إذا كان أقل من خمسة عشر يوماً لا يفصل بين الدمين ويجعل الكل كالدم المتوالي. وإذا كان خمسة عشر أو أكثر يعتبر فاصلاً ثم ينظر إلى الدمين إن أمكن أن يجعل أحدهما بانفراده حيضاً يجعل ذلك حيضاً.
ومن أصله أيضاً إذا أمكن أن يجعل كل واحد منهما حيضاً يجعل كل واحد منهما حيضاً. ومن أصله أنه يبتدأ الحيض بالطهر ويختمها بالطهر وإن كان قبل البداية وبعد الختم دم. وجه قوله في ذلك: بأن طهر ما دون خمسة عشر يوماً طهرٌ فاسدٌ فلا يتعلق به حكم الطهر الصحيح ولا يفصل بين الدمين، فمن حكم الطهر الصحيح، بيان قوله في أن طهر ما دون خمسة عشر لا يفصل بين الدمين في المبتدأة، أما إذا رأت يوماً دماً وأربعة عشر يوماً طهراً ويوماً دماً فالعشرة من أول ما رأت حيض بحكم بلوغها به، وكذلك إذا رأت يوماً دماً وتسعة طهراً أو يوماً دماً وتسعة طهراً أو يومين دماً في المعتادة فمعروفها حيض وما زاد على ذلك استحاضة.