وبيان قوله في ابتداء الحيض بالطهر وفي ختمه بالطهر يشرط بأن يكون قبل البداية وبعد الختم دم في المرأة إذا كانت عادتها في الحيض في كل شهر خمسة، فرأت قبل أيامها يوماً دماً ثم طهرت خمستها ثم رأت يوماً دماً، فعنده خمسها حيض لإحاطة الدمين بها، ويقع الختم والابتداء ههنا بالطهر، وفي المبتدأة لا يتصور الابتداء إلا بالدم، وكذلك لو رأت قبل خمستها يوماً دماً ثم طهرت أول يوم من خمستها ثم رأت ثلاثة دماً ثم طهرت آخر يوم من خمستها ثم استمر بها الدم فحيضها خمستها عنده وإن كان ابتداء الخمسة وختمها بالطهر لوجود الدم قبلها وبعدها.
وبعض مشايخنا أخذوا بقول أبي يوسف رحمه الله، وبه كان يفتي القاضي الإمام صدر الإسلام أبو اليسر رحمه الله وكان يقول: قول أبي يوسف أيسر وأسهل على النساء وعلى المفتي، ولا حرج في ديننا فكان الأخذ بقوله أولى، وعليه استقر رأي الصدر الشهيد حسام الدين رحمه الله وبه يفتي، والأصل عند محمد رحمه الله وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله وعليه فتوى كثير من المشايخ أن الطهر المتخلل بين الدمين إذا كان أقل من ثلاثة أيام لا يصير فاصلاً بين الدمين ويجعل ذلك كله كالدم المتوالي.
وإن كان ثلاثة أيام فصاعداً إن كان الطهر مثل الدمين أو أقل من الدمين لا يعتبر فاصلاً أيضاً، ويجعل ذلك كله بمنزلة الدم المتوالي لأن الثلاثة من الدم نصاب شرعي، ألا ترى أنه يصلح لنصب العادة والثلاثة من الطهر نصاب ضروري، ألا ترى أنه لا يصلح لنصب العادة، فكان اعتبار النصاب الشرعي عند الاستواء أولى من اعتبار النصاب الضروري ولأن المرأة لا تخلو في زمان الحيض عن طهر قليل غالباً، فلو اعتبر هو فاصلاً لا يتصور وجود الحيض أصلاًأما (لا) تخلو هي في زمان الحيض عن طهر كثير غالباً. فلو اعتبر هو فاصلاً يتصور معه وجود الحيض فأصبح ثلاثاً الحد الفاصل بين القليل والكثير فقدر الكثير بثلاثة أيام لأن الكثيرة ثبت بالجمع، وأقل الجمع المتيقن عليه ثلاثة إلا إذا كان أقل من الدمين لا يعتبر فاصلاً، وإن كان الطهر ثلاثة فصاعداً لأن الطهر مغلوب، والمغلوب ساقط الاعتبار شرعاً بمقابلة الغالب ولأن من عادة النساء غلبة دمهن على الطهر في زمان الحيض، فلو اعتبر الطهر فاصلاً حال غلبة الدم لا يتصور وجود الحيض أصلاً، وكذلك إذا كان الطهر مثل الدمين لا يعتبر هو فاصلاً أيضاً لأن الدم يتناول الطهر في العدد فيجعل الدم راجحاً لكونه مرئياً في وقته، وكون الطهر مرئياً في غير وقته والوقت وقت الحيض لا وقت الطهر ولأن الدم يحرم عليها أداء الصلاة والطهر يبيح لها أداء الصلاة والمبيح مع المحرم إذا اجتمعا كانت العبرة للمحرم فصار الدم في حكم الغالب، فسقط اعتبار الطهر بمقابلته فلم يصح الفصل بين الدمين.
وأما الطهر إذا كان أكثر من الدمين فيصير فاصلاً لأن الطهر غالب على الدم، والعبرة للغالب، وليس من عادة النساء غلبة الطهر على الدم في زمان الحيض فلو اعتبر الطهر فاصلاً والحالة هذه لا يؤدي إلى أن لا يتصور الحيض فجعل حاصلاً، ثم ينظر إن أمكن أن يجعل أحد الدمين بانفراده حيضاً يجعل ذلك حيضاً وهذا ظاهر، وإن أمكن