للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك طعام أو شراب في يدي رجل أذن لغيره في أكله أو شربه أو التوضؤ به، فأخبره مسلم ثقة أن هذا غصب في يديه من فلان، فأحب إلي أن يتنزه، فإن لم يتنزه وأكله أو شربه أو توضأ به، فهو في سعة من ذلك، وإن لم يجد وضوءاً غيره، وهو في سفر توضأ به، ولم يتيمم.

نوع آخر في تعارض الخبرين في نجاسة الماء وطهارته، أو في حرمة العين وإباحته

رجل دخل على قوم من المسلمين يأكلون طعاماً، ويشربون شراباً، فدعوه إليه، فقال رجل مسلم ثقة قد عرفه: هذا اللحم ذبيحة المجوسي، أو قال: خالط لحم خنزير، وهذا الشراب خالط الخمر، وقال الذين يدعون إلى ذلك: ليس الأمر كما قال؛ بل هو حلال، وبينوا الوجه فيه قال: ينظر في حالهم، فإن كانوا عدولاً ثقات لم يلتفت إلى قول ذلك الرجل الواحد بمقابلة قولهم.

فرق بين الخبر وبين الشهادة، فإن المدعيين لعين واحد إذا أقام أحدهما شاهدين، وأقام الآخر جماعة، فإنه لا يترجح الجماعة على المثنى إذا استووا في العدالة، والفرق وهو أن الشهادة إن كانت إخباراً حقيقة فهي من الشاهد لو رجع يضمن، وبدليل أنه شرط لفظة الشهادة والعدد، وإنما شرط ذلك؛ لأنه لما جعل هذا إيجاباً حكماً كان هذا أمراً ثابتاً بخلاف الحقيقة، فوجب مراعاة جميع ما ورد الشرع من الشرائط، قلنا: وما يكون إيجاباً وإثباتاً حقيقة يستوي فيه المثنى والجماعة (٧٧ب٢) فأما الإخبار بنجاسة الماء وطهارته، والإخبار عن الحل والحرمة؛ إخبار عن حقيقة ذلك، ولهذا لم يشترط لفظ الشهادة والعدد، والخبر إنما يترجح بزيادة عدد في المخبر؛ لأنهما كرجل في حد العيان، أو يقرب منه.

وإن كانوا متهمين، أخذ بقوله ولم يسعه أن يقرب شيئاً من ذلك الطعام والشراب، ولا تقوم زيادة العدد مقام العدالة.

فإن قيل: أليس أن الفاسقين إذا شهدا أن فلاناً طلق امرأته واحدة بائنة، أو أعتق أمته، فإن القاضي يحول بين المشهود عليه، وبين المرأة والعبد؛ كما لو شهد بذلك واحد عدل، وأقيم زيادة العدد مقام العدالة، قلنا: في هذه المسألة روايتان فعلى إحدى الروايتين لا يحال، ولا يقام زيادة العدد مقام العدالة، فعلى هذه الرواية يحتاج إلى الفرق، والفرق أن في تلك المسألة ليس لمعارضة قول الفاسقين قول عدل بخلافه فجاز أن يقام العدد مقام العدالة.

قال: ويستوي أن يكون المخبر مسلماً أو مسلمة، حراً أو عبداً، ذكراً أو أنثى بعد أن يكون عدلاً ثقة؛ لأن هذا من أمور الدين، فإن كان في القوم رجلان ثقتان أخذ بقولهما؛ لأن الخبر يترجح بزيادة العدد على ما مر، وإن كان فيهم واحد ثقة عمل فيه على أكثر رأيه؛ لأن الخبرين استويا في الحجة، فلابد من الترجيح، وذلك بالتحري، فإن لم يكن له فيه رأي، واستوى الحالان عنده، فلا بأس بأكل ذلك وشربه، وكذلك الوضوء

<<  <  ج: ص:  >  >>