الاستشهاد، وبينما إذا أخبره واحد بنجاسة الماء، وأخبره واحد بطهارة الماء، وهما عدلان، فإن هناك يتحرى وتثبت المعارضة بين الخبرين حتى أمر بالتحري.
وكذلك إذا أخبر أحدهما أن هذا اللحم ذبيحة مجوسي، وأخبر الآخر أنه ذبيحة المسلم، وهما عدلان، فإنه يتحرى وتثبت المعارضة بين الخبرين، وفي مسألة الاستشهاد، وما أثبت المعارضة بين الخبرين؛ بل قال: يأخذ بقول الثاني.
والفرق: وهو أن التحري إنما يجب حال مساواة الخبرين، وفي مسألة الاستشهاد لا مساواة؛ لأن الخارج فيما أخبر اعتمد دليلاً حادثاً يعرف من حيث الحقيقة والعيان، وهو جحود البائع، وذو اليد فيما أخبر من الشراء، وإقرار البائع بذلك لم يعتمد دليلاً جارياً على عدم الجحود، وإنما اعتمد استصحاب الحال، وهو إقراره بالشراء، وإقراره بالشراء لا يوجب عدم الجحود؛ بل عدم الجحود يكون ثابتاً باستصحاب الحال؛ لأن الأصل هو العدم، وقد ذكرنا أنه لا مساواة بين خبرين أحدهما ثابت بالدليل الحادث، والآخر ثابت بناءً على استصحاب الحال كما في الجرح مع التعديل، فأما في طهارة الماء ونجاسته تتحقق المساواة بين الخبرين؛ لأنه يمكن بناء كل واحد منهما على دليل يوجب العلم بما أخبر خبر النجاسة على معاينة وقوع النجاسة، وخبر الطهارة على معاينة اغتراف الماء من نهر عظيم يكون طاهراً واستصحاب الماء مع نفسه إلى وقت الخبر، وكذلك المخبر عن ذبيحة المسلم، وعن ذبيحة المجوسي؛ لأن كل واحد من الذبيحتين مما يشاهد ويعاين، فيكون كل واحد من الخبرين بناءً على دليل يوجب ما قال لا بناءً على عدم الدليل فاستويا، وعند استواء الخبرين يجب التحري، وإن كان المخبر عن الجحود فاسقاً قال: يتحرى في خبره.
فرق بين هذا وبينما إذا أخبره رجل بطهارة الماء، وأخبر آخر بنجاسة الماء وأحدهما فاسق، فإنه يأخذ بقول العدل، وههنا لم يقل: إنه يأخذ بقول العدل؛ بل قال يتحرى.
وجه الفرق: أن في مسألتنا الخبرين قد استويا، فإن كان المخبر عن الجحود فاسقاً، وصاحب اليد عدلاً؛ لأن خبر كل واحد منهما حجة من وجه دون وجه، أما خبر صاحب اليد فلأنه اعتمد استصحاب الحال، واستصحاب الحال حجة من وجه دون وجه، فإنه حجة في الدفع لا في إثبات الاستحقاق.
وخبر الفاسق حجة من وجه دون وجه أيضاً، لاحتمال الصدق والكذب في خبره احتمالاً على السواء، ولما استويا وجب التحري، فأما في نجاسة الماء وطهارته، فخبر الفاسق لا يساوي خبر العدل؛ لأن خبرهما وإن استويا من حيث إن كل واحد منهما حصل من دليل حادث؛ إلا أن لخبر العدل رجحاناً من وجه آخر من حيث إنه حجة من كل وجه لرجحان الصدق في خبره، وخبر الفاسق حجة من وجه دون وجه لاحتمال الصدق والكذب في خبره احتمالاً على السواء، وإن كانا جميعاً فاسقين، فإن صدق القائل الثاني بقوله وعلى ذلك أكثر رأيه لم يقبل من ذلك شيئاً، فقد أمر بالتحري متى كانا