فاسقين، ويجب أن لا يتحرى؛ لأن (خبر) صاحب اليد لا يساوي خبر الخارج إذا كانا فاسقين؛ لأنهما في الفسق على السواء، والخارج يخبر عن دليل حادث، وذو اليد يخبر عن عدم الدليل، فيترجح خبر الخارج؛ كما لو كانا عدلين، والجواب قد ترجح خبر الخارج على خبر ذي اليد بالطريق الذي (٧٩ب٢) قلتم، فلا جرم يسقط اعتبار خبر ذي اليد بمقابلة خبر الخارج، ويلتحق بالعدم، إلا أن الخارج فاسق، وقد أخبر بما يوجب كراهة الشراء فيجب التحري، كما لو أخبر فاسق بنجاسة الماء.
وإذا كانت الجارية في يدي رجل يدعي أنه اشتراها من فلان وهو ثقة مسلم، وسع للذي يسمع مقالته أن يشتريها؛ وهذا لأن الإقرار بالشراء إقرار بالملك للبائع دلالة، ولو أقر بالملك للبائع صريحاً، ثم ادعى الانتقال إلى نفسه جاز الشراء منه إذا كان ثقة، وإن كان فاسقاً يتحرى، فههنا كذلك.
وكذلك إذا لم تكن الجارية في يده؛ ولكنها كانت في منزل مولاها، فقال: إن فلاناً أمرني ببيعها، ودفعها إلى من اشتراها وهو ثقة، فلا بأس بشرائها منه، والقبض من منزل مولاها من الذي باعها (بأمر مولاها) أو بغير أمره؛ لأن هذا عدل أخبر بما هو من جملة المعاملات، ولم ينازعه في ذلك أحد، فيقبل قوله.
وإن كان هذا الذي (في يديه الجارية) فاسقاً يجب التحري، فإن تحرى ووقع في قلبه أنه صادق، فاشتراها وقبضها، ثم وقع تحريه على أنه كاذب فيما قال، فإنه يعتزل عن وطئها حتى يسأل مولاها، أو يخبره بذلك عدل؛ وهذا لأنه إنما اشتراها بغالب الرأي، والعامل بغالب الرأي إذا تحول رأيه إلى شيء آخر يلزمه العمل برأيه الثاني في المستقبل لا في الماضي، فلهذا قال: يعتزل عن وطئها.
ثم قال محمد رحمه الله: وهكذا أمر الناس ما لم يجىء التجاحد والتشاجر من الذي كان يملك، فأما إذا جاءت المشاجرة والإنكار من المالك لا يبقى خبر المخبر حجة؛ سواء كان المالك فاسقاً أو عدلاً؛ وهذا لأن قول الواحد إنما جعل حجة في إباحة المعاملات مع الناس للضرورة بخلاف القياس، ففيما وراء إباحة المعاملة من إبطال ملك الغير بغير رضاه؛ لا ضرورة فيه لإباحة المعاملات؛ لأن كل موكل لا ينكر الوكالة، وإذا لم يبق قوله حجة حال منازعة الملك لم يثبت الانتقال إليه ولا الوكالة، فكان بائعاً مال الغير بغير إذنه، فكان للمالك أن يأخذها من المشتري، ويضمن المشتري لمولى الجارية عقر الجارية إن كان قد وطىء الجارية؛ لأنه وطىء ملك الغير، وقد سقط الحد لمكان الشبهة، فيجب العقر.
ولو شهد شاهدان عدلان عند البيع أن مولاها قد أمر البائع ببيعها، فاشتراها بقولهما، ونقد الثمن وقبضهما، وحضر مولاها، فأنكر الوكالة؛ كان المشتري في سعة من إمساكها؛ لأنهما لو شهدا بذلك عند القاضي؛ أطلق القاضي للمشتري إمساكها، فكذا إذا شهدا به عند المشتري يحل للمشتري إمساكها بخلاف ما لو كان المخبر واحداً؛ لأن الواحد لو شهد بذلك عند القاضي والمالك منكر، فالقاضي لا يطلق للمشتري الإمساك،