فكذا إذا شهد الواحد بذلك عند المشتري لايسع المشتري إمساكه إذا أنكر المالك الوكالة.
قال: إلا أن يكون خاصمه عند القاضي، وقضى القاضي بالملك للمالك، فإن استحلف المالك على الوكالة فحلف، فإنه لا يسعه إمساكها ما لم يجدد الشاهدان الشهادة على الوكالة بين يدي القاضي حتى يقضي القاضي بالوكالة، وإنما لا يسع للمشتري إمساكها قبل تجديد الشاهدين الشهادة لما أشار محمد رحمه الله في «الكتاب» : أن القضاء أنفذ من الشهادة.
ومعنى هذا الكلام: أنه يجمع ما يبيح الإمساك وهو الشهادة، وما يحرم الإمساك وهو قضاء القاضي بالملك للمالك، والرجحان لدليل الحظر وهو القضاء؛ لأن القضاء صدر عن حجة، وهو إقرار المشتري بالملك للموكل، والوكالة بالبيع لم تثبت عند المشتري بما هو حجة؛ لأن الشهادة لا تكون حجة ما لم يتصل بها القضاء، فكان العمل بالقضاء أولى من العمل بالشهادة، فإذا جدد الشاهدان الشهادة على الوكالة عند القاضي؛ وقضى القاضي بالوكالة فحينئذٍ يحل للمشتري إمساكها؛ لأن الوكالة ثبتت بما هو حجة، فصار كالثابت معاينة.
نوع آخر في العمل بخبر الواحد بارتداد أحد الزوجين وبالرضاع والطلاق والموت وفساد النكاح
قال محمد رحمه الله: ولو أن رجلاً تزوج امرأة، فلم يدخل بها حتى غاب عنها، فأخبره مخبر أنها قد ارتدت عن الإسلام * والعياذ بالله، فإن كان المخبر بذلك عدلاً وسعه أن يصدقه، وأن يتزوج بأختها، أو أربع سواها، وإن كان فاسقاً تحرى في ذلك؛ هكذا ذكر المسألة في كتاب الاستحسان.
وذكر في «السير الكبير» : أنه لا يسعه أن يتزوج بأختها أو أربع سواها ما لم يشهد عنده رجلان، أو رجل وامرأتان. وجه ما ذكر في «السير» : أن قول الواحد العدل في إباحة المعاملات إنما يكون حجة إذا لم ينازع في خبره، وقد أقر بالمنازع حين أخبر عن ردتها؛ لأن الظاهر أن المرأة لا ترتد؛ لأنها قد أقرت ببطلانها حين أقرت بالإسلام، فكان الظاهر منها إنكار الردة، والأحكام مبنية على الظاهر، فكان بمنزلة ما لو كانت حاضرة، وأنكرت الردة حقيقة.
وجه ما ذكر في الاستحسان: أنه لا منازع لهذا المخبر فيما أخبر من حيث الحقيقة وهذا ظاهر، ولم يثبت المنازع بإقراره؛ لأن إنكارها الردة وإن كان ثابتاً من حيث الظاهر إلا أن المخبر رجع عن هذا الإنكار، وأقر بردتها، فهو بمنزلة ما لو قال ذو اليد: هذا الشيء ملكي لكن قد كان غصبه فلان، ثم رجع عن ظلمه ودفعها إليَّ، وهناك يصدق ذو اليد في إخباره كذا ههنا.