ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في شرح كتاب «الاستحسان» اختلاف الروايتين في ردة المرأة، ولم يذكر ردة الرجل، ذكر شمس الأئمة السرخسي في شرح كتاب الاستحسان اختلاف الروايتين في ردة الرجل، وذكر أن ردة الرجل لا تثبت عند المرأة إلا بشهادة رجلين، أو شهادة رجل وامرأتين على رواية «السير» ، وردة المرأة تثبت عند الزوج بخبر الواحد باتفاق الروايات.
قال شمس الأئمة الحلواني: والصحيح في المسألتين روايتان؛ على رواية «السير» : لا تثبت ردة المرأة عند الزوج، ولاردة الزوج عند المرأة إلا بشهادة رجلين، أو شهادة رجل وامرأتين، ثم فرق على رواية كتاب الاستحسان بين هذا وبينما إذا قال للزوج: تزوجتها يوم تزوجتها وهي مرتدة، فإنه لا يسعه أن يأخذ بقوله وإن كان عدلاً، ومتى أخبر عن ردتها بعد النكاح وسعه أن يصدقه فيما قال، ويتزوج بأختها، أو أربع سواها إذا كان عدلاً (٨٠أ٢) .
والفرق: وهو أنه متى أقر بردة مقارنة للنكاح، فقد أقر بالمنازع فيما أخبر؛ لأن إقدامها على النكاح إنكار منها لا يمنع صحة النكاح دلالة، والردة تمنع صحة النكاح، وإذا ثبت إنكارها صار مقراً بالمنازع، فلا يبقى خبره حجة بخلاف ما لو أخبر عن ردةٍ جاريةٍ بعد صحة النكاح؛ لأنه لم يقر بالمنازع؛ لأن إقدام المرأة على النكاح لا يكون إنكاراً لما يقطع النكاح في المستقبل، فلم يجعل مقراً بالمنازع، ولا كذلك الإقرار بردة مقارنة.
وكذلك لو أن رجلاً تزوج جارية رضيعة ثم غاب عنها، فأتاه رجل فأخبره أن أمه أو ابنته أو أخته أرضعت امرأته الصغيرة، فإن كان المخبر عدلاً وسعه أن يصدقه، ويتزوج بأختها أو أربع سواها، وإن كان فاسقاً يتحرى في ذلك لما ذكرنا. قال شيخ الإسلام: فعلى رواية «السير» يحتاج إلى الفرق بين الرضاع وبين الردة.
وإن لم يقل هكذا ولكنه قال: كنت تزوجتها وهي أختك من الرضاعة، فإنه لا يسعه أن يتزوج أختها ولا أربعاً سواها، وإن كان المخبر عدلاً؛ لأنه أقر بالمنازع؛ لأن إقدامها على النكاح إنكار منها للرضاع، فقد ثبت المنازع بإقراره، فيعتبر بما لو كان ثابتاً حقيقة بأن كانت المرأة حاضرة، وأنكرت الرضاع؛ بخلاف ما إذا أخبر برضاع طارىء؛ لأن هناك لم يثبت المنازع بإقراره على نحو ما بينا في فصل الردة، أو نقول: أخبر بفساد العقد الذي باشره غيره، وقول الواحد في باب المعاملات إذا كان فيه فساد عقد باشره الغير لا يعقل؛ لأن ذلك الغير ينازعه في فساد العقد؛ لأن الجواز أصل في العقود.
وإذا غاب الرجل عن امرأة، فأتاها مسلم عدل، وأخبرها أن زوجها طلقها ثلاثاً أو مات عنها، فلها أن تعتد وتتزوج بزوج آخر؛ لأنه أخبر عن إباحة معاملة، ولم يقر بالمنازع، فثبتت الإباحة. وإن كان المخبر فاسقاً تتحرى.
وفي «فتاوى أبي الليث» : إذا شهد شاهدان عند المرأة بالطلاق، فإن كان الزوج غائباً وسعها أن تعتد وتتزوج بزوج آخر، وإن كان حاضراً ليس لها ذلك، ولكن ليس لها