وكذلك جارية في يدي رجل تدعي أنها جاريته، وهي صغيرة لا تعبر عن نفسها بجحود ولا إقرار فكبرت، فلقيها رجل.. في بلد آخر، فأراد أن يتزوجها، فقالت له: أنا حرة الأصل، ولم أكن أمة للذي كنت في يديه؛ لا يسعه أن يتزوجها؛ لأنه ثبت المنازع عند المريد للتزوج، فإنه سمع الذي كانت في يديه يدعي ملك رقبتها لنفسه، ولو قالت: كنت أمة للذي كنت في يديه فأعتقني، وسعه أن يتزوجها إن كانت عدلة.
ولو أن حرة تزوجت رجلاً، ثم أتت غيره وقالت: إن نكاحها الأول كان فاسداً لما أن الزوج كان على غير الإسلام لا ينبغي لهذا الرجل أن يصدقها وأن يتزوجها. ولو قالت: إنه طلقني بعد ذلك، أو قالت: ارتد عن الإسلام، فبنت منه؛ وسعه أن يصدقها وأن يتزوجها إذا كانت عدلة. قال: وكذلك لو أقرت بعد النكاح أنه كان مرتداً؛ وسع السامع أن يتزوجها إذا كانت عدلة.
اعلم بأنه اختلفت الروايات في هذا الفصل؛ ذكر في بعض الروايات لو أقر بعد النكاح أنه كان مرتداً وقت النكاح يعني أقر الزوج بعد النكاح أنه كان مرتداً وقت النكاح، وهكذا (٨٠ب٢) أثبت الحاكم الشهيد في «المختصر» ، وإن كان هذا من الزوج إقراراً بردة مقارنة للنكاح، والزوج غير مصدق في ذلك؛ إلا أن الزوج يملك قطع النكاح في المستقبل، والردة قاطعة للنكاح، فجعل هذا إقراراً منه بما يقطع النكاح؛ إلا أن يجعل إقراراً بما يقطع النكاح بعد الصحة؛ كأنه طلقها، ولهذا يجب للمرأة نصف المهر، فإذا جعل هذا إقراراً بالطلاق صار كأن الزوج قال: طلقتها بعدما تزوجها، وهناك يسع السامع أن يتزوجها كذا ههنا.
وقد وقع في بعض الروايات لو أقرت بعد النكاح، يعني أقرت المرأة بعد النكاح أن الزوج كان مرتداً، وتأويل هذه الرواية أن المرأة أقرت أن الزوج أقر أنه كان مرتداً يوم تزوجها؛ لأن الثابت من إقرار الزوج بإقرارها؛ كالثابت عياناً، ولو عاينّا إقرار الزوج أنه كان مرتداً وقت النكاح؛ يسع السامع أن يتزوجها.
والدليل على أن المراد هذا، فإن محمداً رحمه الله ذكر قبل هذه المسألة إقرار المرأة بكون الزوج مرتداً وقت النكاح، وذكر ثمة أنه لا يسع السامع أن يتزوجها، فهذا يبين لك أن المراد من هذه المسألة ما قلنا.
ثم فرق بينما إذا أقر الزوج أنه كان مرتداً وقت النكاح، وبينما إذا أخبر أجنبي أن الزوج كان مرتداً وقت النكاح، فقال في فصل الأجنبي: لا يسع السامع أن يتزوجها، وفي الزوج قال: يسع السامع أن يتزوجها.
والفرق: أن الزوج إن كان لا يملك الإقرار بفسخ النكاح من الأصل يملك الإقرار بحرمة طارئة بعد النكاح، فيجعل إقراراً منه بحرمة طارئة، وغير الزوج لا يملك الإقرار بحرمة طارئة، فلا يمكننا أن نجعل هذا من غير الزوج إقراراً بحرمة طارئة، فيجعل إقراراً بفسخ النكاح من الأصل، وإنه غير مصدق في ذلك؛ لأنه إقرار بالمنازع.