للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واجب، والسلام ابتداءً ليس بواجب، ولا شك أن الآتي بالواجب أفضل أجراً، وقال بعضهم: المسلم أفضل أجراً؛ لأنه سابق، فالسابق له فضل السبق، والأفضل للمسلم أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، والمجيب كذلك يرد، ولا ينبغي أن يزاد على البركات شيء، قال ابن عباس رضي الله عنهما: «لكل شيء منتهى، ومنتهى السلام البركات» .

ويسلم الماشي على القاعد، والصغير على الكبير، والراكب على الماشي، ويسلم الذي يأتيك من خلفك، وإذا التقى الرجلان ابتدرا بالسلام؛ نقل ذلك عن عطاء رضي الله عنه. قال الحسن: قوم يستقبلون قوماً، يبدأ الأقل بالأكثر، وقد قيل: ابتدروا، وفي حديث يزيد بن وهب عن النبي عليه السلام قال: «يسلم الراكب على الماشي، ويسلم الذي يأتيك من خلفك، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير» .

قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: إذا دخل جماعة على قوم، فإن تركوا السلام، فكلهم آثمون في ذلك، وإن سلم واحد منهم جاز عنهم جميعاً، وإن سلم كلهم، فهو أفضل، وإن تركوا الجواب فكلهم آثمون وإن رد واحد منهم أجزأهم، به ورود الأثر، وهو اختيار الفقيه أبو الليث، وإن أجاب كلهم، فهو أفضل، وقال بعض المشايخ: يجب الرد على الكل، ولا نأخذ به، وينبغي للمجيب إذا رد جواب السلام أن يُسمع المسلم؛ حتى لو لم يسمعه لا يكون جواباً، ولا يخرج عن العهدة، ألا ترى أن المسلِّم إذا سلم ولم يسمع لا يكون جواباً، فإن كان المسلم أصم ينبغي أن يريه تحريك شفتيه، وكذلك في جواب العطسة.

وينبغي للمسلم إذا سلم على غيره أن يسلم بلفظ الجماعة؛ لأن المخاطب (لا) تكون معه الملائكة، وكذلك المجيب إذا رد الجواب ينبغي أن يذكر بلفظ الجماعة؛ لما قلنا.

وفي «النوازل» : رجل جالس مع قوم؛ سلم عليه رجل، وقال: السلام عليك، فرده بعض القوم ينوب ذلك عن الذي سلم عليه المسلم، ويسقط عنه الجواب، يريد به ما إذا أشار ولم يسم؛ علل فقال:؛ لأن قصده التسليم على الكل، ويجوز أن يشار إلى الجماعة بخطاب الواحد؛ هذا إذا لم يسم ذلك الرجل، فأما إذا سماه، فقال: السلام عليك يا زيد، فأجابه غير زيد، لا يسقط الفرض عن زيد، وإن لم يسم، فأشار إلى زيد يسقط؛ لأن قصده التسليم على الكل ولكن يريده زيادة.

في «فتاوى أهل سمرقند» : حكي عن الفقيه أبي جعفر أن بعضاً من العلماء من أصحاب أبي يوسف رحمه الله كان إذا مر في السوق لم يقل: السلام عليكم، ولكن قال: سلام الله عليكم، فقيل له في ذلك، فقال: التسليم تحية، وإجابة التحية فرض، قال الله تعالى: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها} (النساء:٨٦) فإذا لم يجيبوني

<<  <  ج: ص:  >  >>