للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عند النظر ينبغي أن لا يقصد قضاء الشهوة، وإنما يقصد أداء الشهادة والحكم عليها.

واختلف المشايخ فيما إذا دعي إلى تحمل الشهادة عليها، وهو يعلم أنه لو نظر إليها اشتهى، فمنهم من جوز ذلك، بشرط أن يقصد تحمل الشهادة لا قضاء الشهوة، قال شيخ الإسلام رحمه الله: والأصح أنه لا يباح ذلك؛ إذ لا ضرورة في تحمل الشهادة، فقد يوجد من لا يشتهيها بالنظر إليها؛ بخلاف حالة الأداء؛ لأن الشاهد التزم تلك الأمانة، وهو متعين لأدائها.

وكذلك إذا اشترى جارية، فلا بأس بأن ينظر إلى شعرها وصدرها وساقها وإن اشتهى؛ لأن المالية مطلوبة بالشراء، ولا يصير مقدارها معلوماً إلا بالنظر إلى هذه المواضع، فلأجل الحاجة جاز النظر، ولا يحل له أن يمس شيئاً منها إن اشتهى، أو كان عليه أكثر رأيه، فقد ذكرنا أن حكم المس أغلظ من حكم النظر.

قال: ولا يحل النظر إلى العورة، إلا عند الضرورة؛ قال سلمان الفارسي رضي الله عنه:؛ لأن أخرّ من السماء، فأنقطع نصفين؛ أحب إلي من أن أنظر إلى عورة أحد، أو ينظر أحد إلى عورتي، مع هذا إذا جاء العذر، فلا بأس بالنظر إليها، فمن جملة الأعذار الختان، والختان ينظر عند ذلك الفعل، وكذلك الخافضة تنظر؛ وهذا لأن الختان سنة، وهو من جملة الفطرة في حق الرجل لا يمكن تركه، ومن ذلك عند الولادة، والمرأة تنظر إلى موضع الفرج من المرأة وغيره؛ لأنه لابد من قابلة تقبل الولد وتعالجه، وبدونها تخاف الهلاك على الولد، وعند قبول الولد ومعالجته يحتاج إلى النظر فأبيح لأجل الحاجة، وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جوز شهادة القابلة على الولادة، فذلك دليل على أنه يباح لها النظر.

وكذلك ينظر الرجل من الرجل إلى موضع الاحتقان عند الحاجة إليه؛ بأن كان مريضاً؛ لأن الضرورة قد تحققت، والاحتقان من المداواة، قال عليه السلام: «تداووا عباد الله، فإن الله تعالى لم يخلق داءً إلا وخلق له الدواء، إلا السام والهرم» ، وقد روي عن أبي يوسف: أنه إذا كان به هزال، فاحتقن؛ قيل له: إن الحقنة تزيل ما بك من الهزال، فلا بأس بأن يبدي ذلك الموضع للمحتقن، وهذا صحيح، فإن الهزال الفاحش نوع مرض يكون آخره.... والسل، وحكي عن الشافعي قال: إذا قيل له: إن الحقنة تقويك على المجامعة، فلا بأس بذلك، وهذا ضعيف؛ لأن الضرورة لا تتحقق بهذا. وكشف العورة من غير ضرورة لمعنى الشهوة لا يجوز.

وذكر شمس الأئمة الحلواني في شرح كتاب الصوم أن الحقنة إنما تجوز عند الضرورة، وإذا لم يكن ثمة ضرورة، ولكن فيها منفعة ظاهرة بأن كان يتقوى بسببها على

<<  <  ج: ص:  >  >>