الجماع لا يحل عندنا، وإن كان به هزال، فإن كان هزالاً يخشى منه التلف يحل، وما لا فلا، وذكر الفقيه أبو الليث رحمه الله في «فتاويه» في باب الطهارات؛ قال محمد بن مقاتل الرازي: لا بأس بأن يتولى صاحب الحمام عورة إنسان بيده عند التنوير إذا كان يغض بصره كما أنه لا بأس به إذا كان يداوي جرحاً أو قرحاً، قال الفقيه: وهذا في حالة الضرورة لا في غيرها؛ لأن كل موضع لا يجوز النظر إليه لا يجوز مسه، إلا من فوق الثياب، وينبغي لكل أحد أن يتولى عانته بيده إذا تنور، فإنه روي عن النبي عليه السلام كان يتولى ذلك بنفسه.f
وإذا أصابت المرأة قرحة في موضع لا يحل للرجل أن ينظر إليه، علم امرأة دواءها لتداويها؛ لأن نظر الجنس إلى الجنس أخف وكذا في امرأة العنين تنظر إليها النساء، فإن قلن: هي بكر (٨٨أ٢) فرق القاضي بينهما، وكذا لو اشترى جارية على أنها بكر، فقبضها فقال: وجدتها ثيباً؛ تنظر إليها النساء للحاجة إلى فصل الخصومة، وإن لم يجدوا امرأة تداوي تلك القرحة، ولم يقدروا على امرأة تعلم ذلك، وخافوا أنها تهلك، أو يصيبها بلاء أو وجع، فلا بأس بأن يستر منها كل شيء إلا موضع تلك القرحة، ثم يداويها رجل، ويغض بصره ما استطاع إلا عن ذلك الموضع؛ لأن نظر الجنس إلى غير الجنس أغلظ، فيعتبر فيه تحقق الضرورة، وذلك عند خوف الهلاك، وذوات المحارم والأجنبيات في هذا على السواء؛ لأن النظر إلى العورة لا يحل بسبب المحرمية.
والعبد فيما ينظر إلى مولاته كالحر الأجنبي حتى لا يحل له أن ينظر إلا إلى وجهها وكفها، وهذا مذهبنا، وقال مالك: نظره إليها كنظر الرجل إلى ذوات محارمه لقوله تعالى: {أو ما ملكت أيمانهن}(المؤمنين:٦) ، ولا يجوز أن يحل ذلك على الإماء؛ لأن الإماء دخلن في قوله تعالى:{أو نسائهن}(النور:٣١) ؛ ولأن هذا مما لا يشكل أن الأمة تنظر إلى مولاتها، وإنما يحمل البيان على موضع الإشكال، ولأن إباحة النظر إلى ذوات المحارم لأجل الحاجة، وهو دخول البعض من غير استئذان ولا حشمة، وهذا يتحقق فيما بين العبد ومولاته.
حجتنا في ذلك حديث سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير فإنهما قالا: لا تغرنكم سورة النور، فإنها في الإناث دون الذكور، ومرادهما قوله تعالى:{وما ملكت أيمانهن}(المؤمنون: ٦) والموضع موضع الإشكال؛ لأن حالة الأمة تقرب من حال الرجال؛ حتى تسافر بغير محرم، فكان يشكل أنه هل يباح لها الكشف بين يدي أمتها؟ ولم يزل هذا الإشكال، بقوله تعالى:{أو نسائهن}(النور: ٣١) ؛ لأن مطلق هذا اللفظ يتناول الحرائر دون الإماء، والمعنى فيه: أنه ليس بينهما زوجية ولا محرمية. وحل النظر إلى مواضع الزينة الباطنة؛ يبنى على هذا السبب؛ وهذا لأن حرمة النظر إلى مواضع الزينة الباطنة لمعنى خوف الفتنة، وخوف الفتنة ينعدم بالمحرمية؛ لأن الحرمة المؤبدة تقلل الشهوة، فأما الملك لا يقلل الشهوة، بل يحملها على رفع الحشمة، ومعنى البلوى لا يتحقق أيضاً؛ لأن العبد إنما يتخذ لخدمة خارج البيت؛ لا يخدم داخل البيت على ما قيل من الحد عند الخدمة داخل البيت،