للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول: إن وطئها في أول الحيض فعليه أن يتصدق بدينار، وإن وطئها في آخر الحيض فعليه أن يتصدق بنصف دينار، ورووا فيه حديثاً شاذاً، ولكن الكفارة لا تثبت بمثله.

وحجتنا في ذلك: ما روي أن رجلاً جاء إلى الصديق رضي الله عنه، فقال: إني رأيت في منامي كأني أبول دماً، فقال: أتصدقني؟ فقال: نعم، فقال: إنك تأتي امرأتك في حالة الحيض، فاعترف بذلك فقال: استغفر الله ولا تعدْ، ولم يلزمه الكفارة.

واختلفوا فيما سوى الجماع، فقال أبو حنيفة رضي الله عنه: له أن يستمتع بها فوق المئزر وليس له ما تحته، وقال محمد رحمه الله: يتجنب شفار الدم وله ما سوى ذلك، وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة رضي الله عنهما، وذكر الطحاوي قول أبي يوسف مع أبي حنيفة، وذكر الكرخي مع محمد.

وجه قوله الاستدلال بقوله تعالى: {قل هو أذى} (البقرة:٢٢٢) ففيه بيان أن الحرمة لمعنى استعمال الأذى، وذلك في محل مخصوص، وروي في «الكتاب» عن الصلت بن دينار، وعن معاوية بن مرة قال: سألت عائشة رضي الله عنها ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض، قالت: يتجنب شفار الدم، وله ما سوى ذلك، وفي حديث آخر عن عائشة رضي الله عنها قالت: للرجل من امرأته الحائض كل شيء إلا النكاح يعني الجماع، والمعنى فيه أن ملك النكاح باقٍ زمان الحيض، وحرمة الفعل لمعنى استعمال الأذى، وذلك فعل لا يكون فيه معنى استعمال الأذى، فهو حلال مطلق كما كان قبل الحيض، وقاسه بالاستمتاع (٨٨ب٢) فوق المئزر.

وحجة أبي حنيفة رضي الله عنه قوله تعالى: {فاعتزلوا النساء في المحيض} (البقرة:٢٢٢) فظاهره يقتضي تحريم الاستمتاع بكل عضو منها فيما اتفق عليه الآثار صار مخصوصاً من هذا الظاهر، وبقي ما سواه على الظاهر، وروي أن وفداً سألوا عمر رضي الله عنه عما يحل للرجل من امرأته الحائض، فقال: سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «للرجل من امرأته الحائض ما فوق المئزر، وليس له ما تحته» ، والمعنى فيه: أن الاستمتاع في موضع الفرج يحرم عليه، وإذا قرب من ذلك الموضع لا يأمن على نفسه أن يقع في الحرام، فليجتنب من ذلك بالاكتفاء بما فوق المئزر.

ولا ينبغي أن يعتزل فراشها، فإن ذلك تشبه باليهود، وقد نهينا عن التشبه بهم؛ روي أن ابن عباس رضي الله عنهما فعل ذلك، فبلغ ميمونة رضي الله عنهما، فأنكرت عليه وقالت: أترغب عن سنة رسول الله عليه السلام تضاجعنا في فراش واحد في حالة الحيض.

ذكر في «الجامع الصغير» عن أبي حنيفة رضي الله عنه: إذا حاضت الأمة لم تعرض في إزار واحد ترتديه مكشوف البطن والظهر؛ لأنها إذا حاضت فقد بلغت، وثبت لأعضائها حكم العورة، فلا يحل للأجنبي النظر إلى بطنها وظهرها، وإنما يحل النظر إلى مواضع الزينة الظاهرة والباطنة كما في المحارم.

<<  <  ج: ص:  >  >>