وعن عمر رضي الله عنه: أنه بعث جيشاً وغنموا غنائم، فلما رجعوا فلبسوا الحرير والديباج، فلما رآهم أعرض عنهم، وقال: انزعوا عنكم ثياب أهل النار، فنزعوا.
وما رواه الخصم محمول على ما قبل التحريم؛ الدليل عليه ما روى أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس جبة حرير، وذلك قبل أن ينهى عنه، ولأن هذا من زي الأعاجم وتشبه بالأكاسرة، وذلك منهي. قال عمر رضي الله عنه:«إياكم وزي الأعاجم» ، وهذا إذا لم تقع الحاجة إليه، فأما إذا وقعت الحاجة إليه فلا بأس بلبسه؛ لما روي عن عبد الرحمن بن عوف، والزبير رضي الله عنهما أنه كان بهما جرب كثيرة، فاستأذنا رسول الله عليه السلام في لبس الحرير فأذن لهما فيه.
وكما يكره لبس ما كان لحمته حريراً وسداه حريراً في غير حالة الحرب، فكذلك يكره لبس ما كان لحمته حريراً وسداه غير حرير، وأما ما كان سداه حريراً ولحمته غير حرير فلا بأس بلبسه بلا خلاف بين العلماء، وإنما كان كذلك؛ لأن الثوب إنما يصير ثوباً بالنسج، والنسج إنما يتأتى باللحمة والسدى، واللحمة آخرهما فيضاف صيرورته ثوباً على اللحمة، فإذا كانت اللحمة من الحرير فكأن الكل من الحرير حكماً، وإذا كانت اللحمة غير حرير، فكأن الكل غير حرير، فقد اعتبر اللحمة في هذه المسائل، فقيل: هذا إذا كانت اللحمة غالبة على السدى، وقيل: لا بل العبرة للحمة على كل حال وهو الصحيح، وعليه عامة المشايخ.
وذكر شيخ الإسلام في شرح «السير» في باب الثوب: إذا كان لحمته من قطن أو كتان، وسداه من إبريسم، فإن كان الإبريسم يرى كره للرجال لبسه، وإن كان لا يرى لا يكره لهم لبسه، فعلى هذا يكره للرجال لبس العتابي، وإليه أشار محمد رحمه الله في هذا الباب أيضاً؛ هذا هو الكلام في غير الحرب.
جئنا إلى حالة الحرب، فنقول: لا شك أن ما كان لحمته غير حرير وسداه حرير يباح لبسه في حالة غير الحرب، فلأن يباح لبسه في حالة الحرب والأمر فيه واسع كان أولى. وأما ما كان لحمته حريراً وسداه غير حرير، فإنه يباح لبسه في حالة الحرب بالإجماع، وإنما يباح لنوع ضرورة وحاجة تختص بحالة الحرب؛ وذلك لأن في لبسه يهيب بصورته، وبريقه، ولمعانه، ولونه، وبمعناه يحصل دفع حضور السلاح كان القز يدفع مضرة السلاح، وقد جاءت السنة في الإطلاق عند الحاجة، فإن النبي عليه السلام أطلق للزبير، وعبد الرحمن بن عوف لبس الحرير على ما روينا، وأما ما كان لحمته حريراً وسداه حريراً، ففي لبسه حالة الحرب خلاف بين علمائنا على ما مر.