حجتهما: حديث الشعبي أن النبي عليه السلام رخص في لبس الحرير والديباج في الحرب، ولأن الحاجة مست إلى ذلك؛ لأن الخالص أدفع لمضرة السلاح، وأهيب في عين الناظرين.
واحتج أبو حنيفة رضي الله عنه بعموم النهي، ورد عن الحسن وعكرمة أنهما قالا: التولي عن الحرام في حالة التعرض للشهادة أولى، ولأن الحرام لا يحل إلا عند الضرورة، والضرورة اندفعت بالمخلوط؛ لأن المخلوط ما لحمته حرير أو سداه حرير، والذي سداه حرير ولحمته غير حرير ليس له حكم الحرير بالإجماع، والذي لحمته حرير، وإن كان (٨٩أ٢) حريراً في الحكم، ففيه شبهة الغزل؛ لأنه موجود وإن لم ينسب إليه، فصار هذا حريراً ناقصاً، والمهابة تحصل بظاهره، والدفع بمعناه يحصل أيضاً؛ لأنه إن كان للخالص من الحرير مزية الخلوص، فلهذا مزية القوة والثخانة فاستويا، فيجب أن يكتفى بالأدنى عن الأعلى، فيباح الأدنى ويبقى الأعلى على أصل الحرمة، وحديث الزبير وعبد الرحمن بن عوف، فإنما أطلق لهما؛ لأن ضرر الحكة كان لا يندفع إلا بالدقيق الخالص، وأمر الحرب على ضد ذلك، أو نقول: كان ذلك قبل النهي والتحريم.
هذا هو الكلام في حق الرجال، بقي الكلام في حق النساء؛ قال عامة العلماء: يحل لهن لبس الحرير الخالص، وبعضهم قالوا: لا يحل، وهذا القائل يحتج بعموم النهي، وعامة العلماء احتجوا بما روى علي وابن عمر وأبو موسى الأشعري، وعقبة بن عامر رضي الله عنهم؛ أن النبي عليه السلام خرج يوماً وبإحدى يديه حرير وبالأخرى ذهب، فقال:«هذان حرام على ذكور أمتي حلّ لإناثهن» . وأعطى رسول الله عليه السلام حريراً لعلي رضي الله عنه فكره ذلك عليه، وأمره أن يقطعه خُمراً للفواطم الأربع، وهي: أمه، وفاطمة الزهراء زوجته، وفاطمة حمزة، وفاطمة أخرى رضي الله عنهن، وأما لبس ما علمه حرير أو مكفوف به فمطلق عند عامة الفقهاء خلافاً لبعض الناس بعموم النهي.
ولعامة العلماء حديث عائشة رضي الله عنها في لبس رسول الله عليه السلام قطيفة علمها حرير، وفي حديث أسماء: أن النبي عليه السلام كان يلبس جبة مكفوفة بالحرير؛ لأن القليل من الفضة وهو الخاتم يحل للرجال ترغيباً في نعيم الآخرة، فكذلك العلم. وذكر «القدوري» في «شرحه» :: أن النبي عليه السلام لبس خوذة أطرافها من الديباج، فهذا دليل على أنه لا بأس بمثل هذا الثوب، وعن هشام عن أبي حنيفة