للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رقعة، قال: إنما فعل عمر رضي الله عنه لنوع من الحكمة، وهو أنه كان أمير المؤمنين، فلو لبس ثياباً نفيسة واتخذ لنفسه ألواناً من الأطعمة، فعماله وحشمه يقتدون به، وربما لا يكون لهم مال فيأخذون من المسلمين، فإنما اختار ذلك لهذه المصلحة. وحكي أن حاتم الأصم رحمه الله خرج حاجاً فدخل المدينة، وقصد زيارة مالك بن أنس، فلما انتهى إلى باب داره استأذن فلم يؤذن له، وقيل له: اجلس حتى يخرج إلى الصلاة، فخرج وصلى ودخل عليه حاتم، فرأى داراً مرتفعة مفروشة بألوان الفرش، ورأى خدماً وغلماناً، فسلم عليه حاتم وجلس فقال: أخبرني ماذا يجب على العباد بعد التوحيد؟ فقال: الفرائض، قال: ثم ماذا؟ قال: السنن والآداب، فقال: أخبرني عن دورك هذه، وغلمانك هؤلاء من الفرائض ومن السنن؟ قال: يا حاتم؛ إن الله تعالى قسم هذا قسماً حلالاً، ثم قال: يا حاتم؛ إن لنا رباً يعرف المؤمن تحت الخز والبز كما يعرف الكافر تحت العبادة واللبد، فلما خرج من عنده قال: لو لم أشهد هذا المشهد؛ خفت على نفسي أن أخرج من الدنيا على غير دين الإسلام لكثرة ما أوقع في الفقهاء وأغنى بهم.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: اتقوا الشهرتين في اللباس؛ معناه لا ينبغي للإنسان أن يختار لنفسه اللبسة المحصورة التي ترجع إلى الإهانة، ولا اللبسة المشهورة التي تجعل اللابس نفسه أعجوبة للخلق ينظر إليه كل ناظر، بل يختار فيما بين ذلك، فالوسط محمود في كل شيء.

ذكر الحاكم في «المنتقى» : لا بأس بلبس الخز، والخز اسم لدابة يكون على جلدها خز، وإنه ليس (من) جملة الحرير، والمحرم على الرجال لبس الحرير لا لبس غيره. قال شمس الأئمة السرخسي في شرح كتاب الكسب: ينبغي أن يلبس عامة الأوقات الغسيل ويلبس أحسن ما يجد في بعض الأوقات إظهاراً لنعم الله، فإن ذلك مندوب إليه، ولا يلبس أحسن ما يجد في جميع الأوقات؛ لأن ذلك يؤذي المحتاجين.

وكذلك لا ينبغي في زمن الشتاء أن يظاهر بين جبتين أو ثلاثة إذا كان يكفيه لدفع البرد جبة (٨٩ب٢) واحدة؛ لأن ذلك يؤذي المحتاجين، وهو منهي عن اكتساب سبب أذى الغير.

وأما التوسد بالحرير والديباج والنوم عليه حرام عند محمد رحمه الله، وهو قول أبي يوسف، وعند أبي حنيفة لا بأس به، وعلى هذا الاختلاف نشر الخز، وتعليقه على الأبواب لحماً لما روي عن سعد بن أبي وقاص أنه قال: لأن أتوسد على الجمر أحب إلي من أن أتوسد على الحرير.j

وعن علي رضي الله عنه: أنه أتي بدابة على سرجها حرير، فقال: هذا لهم في الدنيا ولنا في الآخرة، ولأن التنعم بالجلوس والنوم عليه مثل

<<  <  ج: ص:  >  >>