العبرة لحالة القبض، وصار من حيث المعنى كأنه قال: اقبضها، ثم أمسكها لنفسك هبة، وكذلك إذا وهب الدين من غير من عليه الدين وأمره بقبضه يجوز؛ لأن الهبة عند القبض تصير عيناً، فكأنه قال: اقبضه ثم اجعله لنفسك هبة، فكذا ههنا عند الأخذ يصير كأن المالك قال له: خذه هبة لك، وعند الأخذ الهبة والموهوب له معلومان، والدليل عليه فصل نثر السكر في العرس وغيره، فإن هناك من أخذ شيئاً يصير ملكاً له؛ لأن صاحب السكر بالنثر ملك السكر ممن ينتهبه؛ لأنه نثره للاتهاب، وصار راضياً بصيرورة المتهب ملكاً للمتهب بالاتهاب، ويصير عند الاتهاب كأنه قال للمتهب: هو لك هبة فجاز لكون الموهوب له معلوماً وقت الأخذ، وإن كان مجهولاً وقت النثر كذا ههنا.
اختلف المشايخ في نثر الدراهم والدنانير والفلوس التي كتب عليها اسم الله تعالى، منهم من كره ذلك؛ لأنها بين قوائم الذين ينتهبونها فيطؤوها، وفيه ترك تعظيم اسم الله تعالى، ومنهم من لم يكره ذلك؛ لأنه يقصد بذلك تعظيم الدراهم وإعزازها لا.... لذلك....
وإذا نثر السكر فحضر رجل لم يكن حاضراً وقت النثر قبل أن ينتهب المنثور، وأراد أن يأخذ منه شيئاً هل له ذلك؟ اختلف المشايخ فيه؛ قال بعضهم: له أن يأخذ، واستدل هذا القائل بقول النبي عليه السلام:«من شاء اقتطع» ، ومعلوم أن هذا يتناول الحاضر، والذي يحضر. وكان الفقيه أبو جعفر رحمه الله يقول: ليس له ذلك.
وإذا نثر السكر ووقع في ذيل رجل أو كمه وأخذه غيره؛ كان ذلك للآخذ؛ هكذا ذكر في «المنتقى» ، وذكر هذه المسألة في «فتاوى أهل سمرقند» وفصل الجواب تفصيلاً، قال: إن كان بسط ذيله أوكمه، ليقع عليه السكر لا يكون لأحد أخذه، ولو أخذه كان لصاحب الذيل والكم أن يسترده منه، وإن لم يبسط ذيله أو كمه لذلك فالسكر للآخذ، وليس لصاحب الذيل والكم أن يسترده منه.
وإذا دخل الرجل مقصورة الجامع، ووجد فيها سكراً جاز له الأخذ؛ إلا على قول الفقيه أبي جعفر؛ لأن السكر إنما يدخل في المقصورة لأجل النثار في العقد غالباً، فصار بقية النثار غالباً إلا أن هذا الرجل لم يكن حاضراً وقت النثر، فلا يملك الأخذ على قول الفقيه أبي جعفر، ولو مر بسوق.... فوجد سكراً ملقى لم يسعه أن يأخذها؛ لأن الغالب أنه سقط من حوانيتهم، والحكم للغالب.
وفي «فتاوى أبي الليث» : إذا دفع الرجل إلى غيره سكراً، أو دراهم لينثره على العروس، فأراد أن يحبس لنفسه شيئاً، ففيما إذا كان المدفوع دراهم ليس له ذلك؛ لأنه مأمور بالنثر لا بالحبس، وكذا ليس له أن يدفع الدراهم إلى الغير لينثر ذلك الغير؛ لأن صاحب الدراهم ائتمنه ... ائتمن غيره، وإذا نثر ليس له أن يلتقط منه شيئاً، وفيما إذا