للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إن أصحابنا رحمهم الله تعالى فرقوا بين الكافر وبين المسلم (٩٣أ٢) الجنب، فلم يجوزوا للمسلم الجنب الدخول في المسجد؛ مع أن الكافر جنب، قال: من الكفار (من) لا يغتسل ومنهم من يغتسل، ولكن لا يدري كيفيته، ولهذا يؤمر بالاغتسال إذا أسلم، والفرق: أن المسلم يدين وجوب الاغتسال بالجنابة، ويعتقد كون الجنابة مانعة من دخول المسجد فتعاملنا معه على حسب اعتقاده، وثبتنا الحكم على ما يدينه، فأما الكافر فلا يدين وجوب الاغتسال بالجنابة أو لا يدين كيفيته ولا يعتقد الجنابة مانعة من الدخول في المسجد، فتعاملنا معه على حسب اعتقاده، وثبتنا الحكم في حقه على ما يدينه فلهذا افترقا.

وإذا قال الكافر من أهل الحرب، أو من أهل الذمة لمسلم: علمني القرآن فلا بأس بأن يعلمه، ويفقهه في الدين؛ علل فقال: لعله يقبل بقلبه؛ قال الله تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه} (التوبة:٦) معناه حتى يسمع فيفهم، فيقف على مجلس الإسلام والشريعة، فربما يرغب في الإيمان، وهو معنى قول محمد في «الكتاب» : لعله يقبل قلبه، وروي أن واحداً من الكفار سمع القرآن فأسلم، وقال: وجدت له حلاوة.

قال القاضي الإمام ركن الإسلام علي السغدي: وتعليم الفقه كذلك أيضاً؛ لأن في الفقه معالم الدين، وسنن الهدى، فربما يصير ذلك سبباً لإسلامه.

قال محمد رحمه الله: يكره الأكل والشرب في أواني المشركين قبل الغسل؛ لأن الغالب والظاهر من حال أوانيهم النجاسة، فإنهم يستحلون الخمر والميتة ويشربون ذلك، ويأكلون من قصاعهم وأوانيهم، فكره الأكل والشرب فيها قبل الغسل اعتباراً للظاهر، كما كره التوضؤ بسؤر الدجاجة؛ لأنها لا تتوقى من النجاسات في الغالب، والظاهر مع هذا لو أكل أو شرب فيها قبل الغسل جاز، ولا يكون آكلاً ولا شارباً حراماً؛ لأن الطهارة في الأشياء أصل والنجاسة عارض، فيجري على الأصل حتى يعلم حدوث العارض، وما يقول بأن الظاهر هو النجاسة، قلنا: نعم، ولكن الطهارة كانت ثابتة، واليقين لا يزال إلا بيقين مثله؛ ألا ترى أنه لو أصاب عضو إنسان أو ثوبه سؤر الدجاجة، أو الماء الذي أدخل فيه يده، وصلى مع ذلك جازت صلاته، وطريقه ما قلنا: أن الأصل في الأشياء الطهارة، وقد تيقنا بالطهارة وشككنا في النجاسة فلا تثبت النجاسة بالشك، وهذا إذا لم يعلم بنجاسة الأواني.

فأما إذا علم فإنه لا يجوز أن يشرب ويأكل منها قبل الغسل، ولو شرب أو أكل كان شارباً وآكلاً حراماً، وهو نظير سؤر الدجاجة إذا علم أنه كان على منقارها نجاسة، فإنه لا يجوز التوضؤ به.

والصلاة في سراويلهم نظير الأكل والشرب من أوانيهم، إن علم أن سراويلهم نجسة لا تجوز الصلاة فيها، وإن لم يعلم تكره الصلاة فيها، ولو صلى يجوز، ولا بأس بطعام اليهود والنصارى كله من الذبائح وغيرها لقوله تعالى: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل

<<  <  ج: ص:  >  >>