أولى من الاشتغال بالفرض العام الذي ينوب عنه فيه غيره، وهذا استحسان أن يخرج بغير إذنهما.
ولو أراد أن يخرح من بلدة إلى بلدة للتجارة أو للتفقه، وكان الطريق آمناً لا يخاف عليه الهلاك، فله أن يخرج من غير إذنهما قياساً واستحساناً.
وجه القياس: أن الجهاد قبل النفير العام إما أن يعتبر فرض كفاية أو يعتبر تطوعاً، فإن اعتبرناه تطوعاً، للولد إقامة التطوعات بحق الصلاة والصوم بغير إذن الوالدين، وإن اعتبرناه فرض كفاية، فكذلك للولد إقامة ما هو فرض كفاية بغير إذن الوالدين كصلاة الجنازة ورد السلام وما أشبهه.
وجه الاستحسان في ذلك ما روينا وما روي أن رجلاً قال لرسول الله عليه السلام: إني أريد الجهاد فقال له: «ألك أم» ؟ فقال: نعم، فقال له:«الزم أمك، فإن الجنة عند رجل أمك» يحتمل أن تكون الرواية بالجيم رجل أمك، ويحتمل أن تكون الرواية بالحاء رحل أمك، وروي أن رجلاً جاء إلى النبي عليه السلام وقال: جئت أجاهد معك، وتركت والديَّ يبكيان، فقال:«اذهب فأضحكهما كما أبكيتهما» وقال عليه السلام: «ليعمل البار ما شاء فلن يدخل النار، وليعمل العاق ما شاء فلن يدخل الجنة» وقال عليه السلام: «من أصبح ووالداه راضيان عنه، فله بابان مفتوحان إلى الجنة» فتركنا القياس في الجهاد بهذه الآثار، وما ثبت بخلاف القياس لا يقاس عليه غيره والنص الوارد لاشتراط إذن الوالدين في حق الجهاد قبل مجيء النفير عاماً، وفي الخروج إلى الجهاد إفجاعهما وإلحاق المشقة بهم لما يخافان عليه من الهلاك بالقتل في الجهاد، لا يعتبر وارداً دلالة في صلاة الجنازة وردِّ السلام ولا في غيرهما من التطوعات، وهما لا يخافان عليه بسبب إقامة هذه العبادات، وإذا لم يعتبر وارداً فيهما دلالة رد صلاة الجنازة ورد السلام إلى مما يقتضيه القياس، ولا يعتبر وارداً أيضاً؛ لأنه بعد مجيء النفير العام؛ لأن الجهاد، حال مجيء النفير العام فرض عين في حق من قدر على الجهاد حتى لو ترك مع القدرة أثم، كما لو ترك الصلاة المفروضة والصوم المفروض، وقبل النفير العام الجهاد فرض كفاية حتى لو ترك مع القدرة لم يأثم كما لو ترك سائر التطوعات، وفرض العين فوق فرض الكفاية، فالنص الوارد باشتراط الإذن
قبل النفير العام لا يصير وارداً بعد النفير العام؛ لأن النص يدل على مثله وعلى ما دونه، ولا يدل على ما فوقه، فرد هذه الحالة وهو ما بعد مجيء النفير العام إلى ما يقتضيه القياس، ولأن النفير إذا كان عاماً فكل واحد