من المسلمين مقصود بالقتل، فكان للولد الدفع عن نفسه بغير إذن الوالدين وإن كان في خروجه إفجاعهما، وإلحاق المشقة بهما؛ لأن الولد مضطر في ذلك، وصار كما لو قصد إنسان قتل الولد كان له دفعه عن نفسه بغير إذن الوالدين، فطريقه ما قلنا، فكذلك هذا بخلاف ما إذا لم يصر النفير عاماً؛ لأنه بالخروج إلى الجهاد لا يدفع القتل عن نفسه؛ لأن القتل لم يتجه عليه لا حقيقة ولا اعتباراً، فلا يضطر الولد في هذه الحالة إلى تفجيعهما وإدخال المشقة عليهما، وقد يمنع الولد من تفجيع الأبوين، ولهذا لا يقاد الوالد بقتل الولد، ولا يحبس بدينه ولا يحد حدَّ القذف بقذف الابن لما فيه من تفجيعهما، وإدخال المشقة عليهما، فلا يجوز له تفجيعهما بالخروج إلى الجهاد من غير ضرورة.
وإذا خرج للتجارة أو للتفقه بفقه يأتي بعد هذا إن شاء الله تعالى، وهكذا الجواب في العبد لا يخرج إلى الجهاد بغير إذن المولى إلا أن يقع النفير عاماً، والنص الوارد في الولد يكون وارداً في العبد دلالة، وذلك؛ لأن حق السيد في عبده أكثر من حق الوالدين في ولدهما؛ لأن للسيد حقيقة ملك في عبده، وليس للوالدين حقيقة ملك في رقبة ولدهما، ولا حق ملك وإنما لهما حق ملك في كسب ولدهما، وكما منع الولد من تفجيع والديه منع العبد من تفجيع مولاه حتى لا يقاد السيد بعبده كما لا يقاد الوالد بولده، فصار الجواب في العبد كالجواب فيما بين الولد والوالدين.
فإن قيل: الولد إنما كان له الخروج بغير إذن والديه إذا جاء النفير عاماً؛ لأن منافع الولد غير مملوك للوالدين، فأما منافع العبد مملوك فهذا إنما يقاتل بملك غيره فلا يحل إلا بإذن صاحب المال. قلنا: نعم يقاتل العبد بمنافع مملوك للمولى بغير إذنه، إلا أن القتال بملك الغير بغير إذنه حالة الضرورة مباح، فيباح للعبد ذلك بغير إذن المولى.
وإن كان له أبوان، وقد أذنا له بالخروج إلى الجهاد كان له الخروج؛ لأنه إنما منع من الخروج لحقهما، فإذا أذنا له بالخروج إلى الجهاد فقد زال المانع من الخروج فزال المنع، وكان كالعبد لا يخرج إلى الجهاد بغير إذن مولاه، وإذا أذن له مولاه بالخروج كان له الخروج؛ لأن المانع (٩٩أ٢) من الخروج قد زال، فكذلك هذا.
وإن أذن له أحدهما، ولم يأذن له الآخر، فإنه لا يخرج؛ لأنه كان ممنوعاً من الخروج لحق كل واحد من الأبوين، فإذا أذن له أحدهما في الخروج إلى الجهاد، ولم يأذن الآخر، فالمانع من الخروج لم يزل بعد فيبقى المنع، وكان كعبد بين شريكين أذن له أحدهما في الخروج إلى الجهاد، ولم يأذن له المولى الآخر، لا يباح له الخروج؛ لأنه كان ممنوعاً عن الخروج لحق كل واحد من الموليين، فإذا أذن له أحدهما، ولم يأذن الآخر لم يزل المانع فيبقى المنع، والوالدان في سعة من أن.... إذا كان يدخلهما من ذلك مشقة شديدة؛ لأنهما يحملانه على ما هو الأقوى في حقه، وهو برهما، ثم إن