للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كره الوالدان أو أحدهما خروجه إلى الجهاد لا فرق بين أن يخاف ضيعة عليهما، بأن كانا معسرين، وكان نفقتهما عليه، أو لا يخاف عليهما الضيعة متى خرج بأن كانا موسرين، ولم تكن نفقتهما عليه، فإنه لا يباح له الخروج في الحالين استحساناً؛ لأنه منع من الخروج قبل إذنهما شرعاً لما يلحقهما من التفجيع بما يخافان عليه من القتل، وهذا المعنى لا يوجب الفصل، بينما إذا كان يخاف الضيعة عليهما أو لا يخاف فهو عليهما.

هذا الذي ذكره كله إذا كان أبواه مسلمين، فأما إذا كان أبواه كافرين، أو أحدهما فاستأذنهما في الخروج إلى الجهاد فكرها له ذلك، أو كره الكافر منهما هل له أن يخرج؟ قال: فلينظر في ذلك، يريد بقوله: فلينظر في ذلك، أي فليتحر في ذلك، فإن وقع تحريه على أنه إنما كرها خروجه لما يلحقهما من التفجيع والمشقة لأجل ما يخافان عليه من القتل، فإنه لا يخرج؛ لأنه كما منع الولد عن إلحاق التفجيع لوالديه إذا كانا مسلمين، منع من إلحاق التفجيع بهما إذا كانا كافرين، ألا ترى أن الوالد المسلم كما لا يقاد بولده المسلم، لا يقاد بوالده الكافر، وكما لا يحبس الوالد المسلم بدين ولده المسلم، لا يحبس الوالد الكافر بدين ولده المسلم، والأصل في ذلك قوله تعالى: {وصاحبهما في الدنيا معروفاً} (لقمان: ١٥) والوالد الكافر في هذا والمسلم سواء.

فأما إذا وقع تحريه على أنه إنما كرها خروجه للجهاد كراهة أن يقاتل مع أهل دينه وملته لا لما يلحقهما من التفجيع والمشقة لأجل ما يخافان عليه من قتله كان له الخروج بغير إذنهما؛ لأنهما نهياه عن مقاتلة أهل الكفر، والنهي عن مقاتلة أهل الكفر معصية، ولا يجب طاعة المخلوق في معصية الخالق، قال الله تعالى: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما} ، وقال عليه السلام: «لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق» فكان له أن يخرج بغير إذنهما إلا أن يخاف الضيعة عليهما، فإذا خاف الضيعة عليهما لا يسعه الخروج؛ لأن صيانتهما عن الضياع فرض عليه عيناً بحيث لا يسعه تركهما وإن كانا كافرين، ألا ترى أنه يلزمه نفقتهما صيانة لهما عن الضياع، والقتال مع الكفرة قبل النفير عاماً مما لا يسعه فإنه مخير في هذه الحالة بين أن يخرج وبين أن لا يخرج، ولا شك أن الاشتغال بما لا يسع تركه أولى من الاشتغال بما يسع تركه.

ولم يذكر محمد رحمه الله في «الكتاب» أنه إذا تحرى، ولم يقع تحريه على شيء بل شك في ذلك، ولم يترجح أحد الظنين على الآخر أنهما كرها خروجه لما لا يلحقهما من التفجيع والمشقة لأجل ما يخافان عليه من قتله أو كرها خروجه لما فيه من القتال مع أهل دينهما، قالوا: وعلى ما ذكر محمد رحمه الله في «السير» في باب طاعة الوالي، يجب أن لا يخرج، فقد ذكر في باب طاعة الوالي أن الأمير إذا أمر الجند بشيء وشكوا أنهم ينتفعون به أو يتضررون به وتساوى الظنان، قال: عليهم أن يطيعوا الأمير ولا يسعهم

<<  <  ج: ص:  >  >>