عليهما، فإن كانا موسرين، ولم تكن نفقتهما عليه، أو كان يخاف الضيعة عليهما بأن كانا معسرين، وكانت نفقتهما عليه، وكان السفر سفراً يخاف على الولد الهلاك فيه؛ كركوب السفينة في البحر، وكاجتياز البادية ماشياً في الحر الشديد، أو كان سفراً لا يخاف على الولد الهلاك فيه، فإن كان يخاف الضيعة عليهما، فإنه لا يخرج بغير إذنهما سواء كان السفر سفراً يخاف على الولد الهلاك فيه، أو لا يخاف، وذلك؛ لأن صيانتهما عن الهلاك بالإنفاق عليهما فرض عليه حتى يجبر على ذلك، والخروج للتجارة وللكسب مباح، والخروج للعمرة تطوّع، وللحج إن كان حجة الإسلام تطوع إذا لم يكن له مال يفي بالزاد والراحلة، ونفقة من يلزمه نفقته إلى أن يذهب إلى الحج ويجيء، وهنا ماله لا يفي بالكل حتى خاف الضياع عليهما فلا يفرض عليه الخروج للحج، ويكون بمنزلة حج التطوع، ولا يجوز الاشتغال بالتطوع والمباح، إذا تضمن ترك فرض.
فعلى هذا قالوا: لا يباح له الخروج للتفقه بغير إذن والديه إذا كان يخاف الضيعة عليهما، فأما إذا كان لا يخاف الضيعة عليهما متى خرج هل له أن يخرج بغير إذنهما؟ إن كان السفر سفراً لا يخاف على الولد الهلاك فيه كان له أن يخرج بغير إذنهما؛ لأن القياس أن يخرج في الجهاد بغير إذنهما لقوله تعالى:{اقتلوا المشركين}(النساء: ٦٦) ولقوله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر}(التوبة: ٢٩) إلا أنا تركنا القياس في الجهاد بالنص، والنص الوارد في الجهاد بخلاف القياس، وفيه تفجيعهما وإلحاق المشقة بهما، لأجل ما يخافان الهلاك على ولدهما في الجهاد يعتبر وارداً دلالة في سفر لا يخافان الهلاك عليه، فيرد هذا إلى ما يقتضيه القياس، ولأن الخروج للتجارة خروج للتكسب، ولا بد للولد من التكسب لإصلاح معيشته، فإنه متى ترك ذلك ربما يحوجه ذلك إلى ما فيه مذلة، وهو السؤال من غيره من الناس، أو يلقيه في المهالك بأن يوقعه في السرقة، ألا ترى أن له الخروج إلى ضيعته للزراعة، وإلى سوقه للتجارة وإن لم يأذنا فيه كذا ههنا.
وإن كان سفراً يخاف عليه الهلاك، فإنه لا يخرج إلا بإذنهما؛ لأنه إذا كان سفراً يخاف عليه الهلاك كان بمنزلة الجهاد، ولا يخرج في الجهاد إلا بإذنهما، فكذلك هذا، وكذا الجواب فيما إذا خرج للتفقه إلى بلدة أخرى إن كان لا يخاف عليه الهلاك بسبب هذا الخروج كان بمنزلة السفر للتجارة، وإن كان يخاف عليه الهلاك كان بمنزلة الجهاد، وهذا إذا خرج للتجارة إلى مصر من أمصار المسلمين، فأما إذا خرج للتجارة إلى أرض العدو بأمان فكرها خروجه، فإن كان أمراً لا يخاف عليه منه وكانوا قوماً يوفون بالعهد (و) يعرفون بذلك (١٠٠أ٢) وله في ذلك منفعة فلا بأس بأن يعصيهما؛ لأن أرض الحرب والحالة هذه من حيث الأمن بمنزلة أرض الإسلام، فكان الخروج إليها للتجارة، والخروج إلى مصر من أمصار المسلمين سواء، وإن كان يخرج في تجارة إلى أرض العدو ومع عسكر من عساكر المسلمين، فكره ذلك أبواه أو أحدهما، فإن كان ذلك العسكر عسكراً عظيماً مثل أهل الصائفة ونحوهم لا يخاف عليهم من العدو عليه أكثر الرأي، فلا بأس بأن يخرج؛ لأن الجيش إذا كان عظيماً، فالظاهر أنهم ينتصرون وينتصفون من