عدوهم، ولا يضيع من كان معهم فلا بأس بأن يخرج معهم، ويكون الخروج للتجارة إلى أرض العدو معهم والخروج إلى مصر من أمصار المسلمين سواء. وإن كان يخاف على أهل العسكر من العدو بغالب الرأي كان بمنزلة الجهاد فلا يخرج بغير إذنهما، وكذلك إذا كانت سرية أو جريدة جند ونحوها، فإنه لا يخرج إلا بإذنهما؛ لأن الغالب هو الهلاك في السرايا، فكان بمنزلة الجهاد، هذا الذي ذكرنا في الوالدين والأجداد والجدات.
فأما من سواهم من ذي الرحم المحرم كبناته وبنيه، وإخوته وعماته وأخواله وخالاته، وكل ذي رحم محرم منهم إذا كرهوا خروجه للجهاد، وكان يشق ذلك عليهم هل له أن يخرج بغير إذنهم؟ إن كان يخاف عليهم الضيعة بأن كان نفقتهم عليه، بأن لم يكن لهم مال، وكانوا صغاراً أو صغائر، أو كن كبائر إلا أنه لا أزواج لهن، أو كانوا كباراً زمنى لا حرفة لهم، فإنه لا يخرج بغير إذنهم لما ذكرنا في الوالدين، وإن كان لا يخاف عليهم الضيعة بأن لم تكن نفقتهم عليه، بأن كان لهم مال، أو لم يكن لهم مال إلا أنهم كبار أصحاء، أو كبار لهن أزواج، كان له أن يخرج بغير إذنهم؛ لأن القياس في الوالدين أن يخرج بغير إذنهما، إلا أنَّا تركنا القياس في الوالدين بالأثر بخلاف القياس، والنص الوارد في الوالدين بخلاف القياس، ولهما من الحرمة ما ليس لغيرهما من ذي الرحم المحرم حتى لم يحبسوا بدين أولادهم، ولم يقتصوا بقتل أولادهم، ولم يحدوا حد القذف لأولادهم، لا يعتبر وارداً دلالة فيما عدا الوالدين من ذي الرحم المحرم، وليس لهم هذه الحرمة، فيردون إلى ما يقتضيه القياس.
وأما امرأته إن كان يخاف الضيعة عليها، فإنه لا يخرج إلا بإذنها؛ لأن عليه نفقتها كما في الوالدين وغيرهما من ذي الرحم المحرم، وإن كان لا يخاف عليها الضيعة كان له الخروج بغير إذنها. وإن شق ذلك عليها، وترك القياس في الوالدين لا يوجب ترك القياس في المرأة، وليس للمرأة من الحرمة ما للوالدين.
قال محمد رحمه الله: إذا جاء النفير، فقيل لأهل مدينة أو مصر قريب من العدو، وقد جاء العدو يريدون أنفسكم وذراريكم وأموالكم، فلا بأس بأن يخرج الرجل بغير إذن والديه، وإن نهياه فلا بأس بأن يعصيهما إذا كان ممن يقدر على الجهاد، وقد ذكرنا هذا، وليس للوالدين أن ينهيا الولد عن الخروج في هذه الحالة؛ لأن القتال في هذه الحالة فرض عين، وليس لهما أن ينهيا الولد عما هو فرض عين، وهذا إذا كان بالولد قوة القتال أو يحصل بخروجه قوة للمسلمين.
فأما إذا لم يكن له قوة القتال ولا يحصل بخروجه قوة للمسلمين، فإنه لا يخرج إلا بإذنهما؛ لأن الجهاد بعد النفير العام إنما يفترض على القادر، أو على أن يحصل بخروجه قوة للمسلمين إن كان يقدر على القتال، ولا يجب على العاجز؛ لأن العجز مما يسقط الفرائض، فإذا كان لا يفترض عليه حالة العجز كان الجواب في حقه بعد مجيء النفير كالجواب في حق القادر قبل مجيء النفير العام كان لا يخرج القادر إلا بإذنهما، فكذلك هذا.
ثم الجهاد بعد مجيء النفير العام لا يفترض على جميع أهل الإسلام شرقاً وغرباً