وأجمعوا أن من ادعى ديناً في التركة، فالقاضي يحلفه مع إقامة البينة أنك ما استوفيت الدين، ولا أبرأته وإن لم يدع الخصم ذلك، وهذه المسألة تشهد لأبي يوسف.
وإذا ماتت الدابة المغصوبة، ووقع الاختلاف بين الغاصب والمغصوب منه، فقال الغاصب: رددت الدابة عليك، ونفقت عندك، وقال المغصوب منه: لا بل نفقت عندك من ركوبك، ولم يكن لواحد منهما بينة، فالقول قول رب الدابة؛ وذلك لأن الغاصب أقر بالسبب الموجب للضمان، وهو الغصب، وادعى ما يبرئه فيكون القول قول صاحب المال؛ كما لو قال: أكلت مالك بإذنك، أو أخذت مالك بإذنك، وأنكر صاحب المال؛ كان القول قوله لما ذكرنا أنه أقر بالسبب الموجب للضمان، وادعى ما يبرئه فلم يصدق إلا ببينة، فكذلك هذا فإن أقاما جميعاً البينة؛ أقام رب الدابة البينة أنها نفقت عند الغاصب من ركوبه، وأقام الغاصب البينة أنه قد ردها عليه، ثم ماتت في يده، فإن الغاصب يضمن قيمتها.
فرق بين هذا وبينما إذا أقام البينة أنه ردها على المالك، وأقام المغصوب منه البينة أنها نفقت عند الغاصب، ولم يشهد أنها نفقت من ركوبه، فلا ضمان على الغاصب، وبين المسألتين فرق من حيث الصورة؛ أما لا فرق بين المسألتين من حيث المعنى، وذلك؛ لأنا نعمل بالبينتين جميعاً في الموضعين، ويجعل كأن الأمرين كانا في المسألتين يجعل في المسألة الأولى كأن الغاصب رد دابته ثم ركب بعد الرد، ونفقت من ركوبه ويجعل في المسألة الثانية كأنه ردها، ثم نفقت عند الغاصب بعد الرد؛ إلا أن العمل بالبينتين جميعاً في مسألة الركوب توجب الضمان؛ لأنه متى ردها على المالك ثم ركب بعد الرد، ونفقت من ركوبه ضمن، ويكون هذا غصباً آخر منه، فصار ضامناً، والعمل بالبينتين في المسألة الأخرى لا يوجب على الغاصب ضماناً؛ لأنه متى رد ثم نفقت الدابة بعد الرد عند الغاصب من غير صنعه بأن انفلتت الدابة بعد الرد ونفقت عنده، لا يكون ضمانها عليه فكذلك هذا، وذكر شمس الأئمة السرخسي في «شرحه» الفرق: أن ما ذكر أنه لا ضمان على الغاصب قول محمد، أما على قول أبي يوسف هو ضامن.
وإذا اختلف رب الثوب والغاصب في قيمة الثوب، وقد استهلكه الغاصب، فالقول قول الغاصب مع يمينه؛ لأنه منكر الزيادة، والبينة بينة رب الثوب؛ لأنها تثبت الزيادة، وإن لم يكن لرب الثوب بينة، وجاء الغاصب ببينته أن قيمة ثوبه كذا، وكذبه رب الثوب وسأل القاضي يمين الغاصب، فإنه يحلف على دعواه، فلا تقبل بينته؛ لأن بينته تنفي الزيادة، والبينة على النفي لا تقبل؛ قال بعض مشايخنا: ينبغي أن تقبل بينة الغاصب لإسقاط اليمين عن نفسه، وقد تقبل البينة لإسقاط اليمين؛ ألا ترى أن المودع إذا ادعاه رد الوديعة يقبل قوله، ولو أقام البينة على ذلك قبلت بينته، وطريقه ما قلنا.
وبعض مشايخنا قالوا: ينبغي أن يكون في كل فصل روايتان، وكان القاضي الإمام أبو علي النسفي يقول: هذه المسألة عدت مشكلة، ومن المشايخ من فرق بين مسألة الوديعة وبين هذه المسألة، وهو الصحيح.