وصار الأصل في جنس هذه المسائل أن الغرور إنما يثبت حق الرجوع للمغرور على الغار إذا حصل ذلك في ضمن عقد معاوضه، أو ضمن الغار للمغرور صفة السلامة نصاً، وكذلك إذا قال: كل هذا الطعام فإنه طيب، فإذا هو مسموم، فهو على ما قلنا.
نخلة لرجل في ملكه خرج سعفها إلى جاره، فأراد جاره أن يقطع ذلك ليفرغ هواءه كان له ذلك، هكذا ذكره محمد رحمه الله، قال الناطفي في «واقعاته» : ظاهر لفظ محمد يفيد ولاية القطع بغير إذن القاضي.
وقيل: هذا على وجهين؛ إن كان يمكن تفريغ الهواء بمد السعف إلى النخلة، والشد عليها ليس له أن يقطع، ولو قطع يضمن، ولكن يطلب من صاحبه أن يمد السعف إلى النخلة، ويشد عليها بحبل، ويلزمه القاضي ذلك، وكذلك إذا أمكنه مد بعض السعف إلى النخلة، والشد عليه؛ ليس له أن يقطع ذلك البعض.
فأما إذا لم يمكن تفريغ الهواء إلا بالقطع، فالأولى أن يستأذن صاحب النخلة حتى يقطع بنفسه، أو يأذن له بالقطع، فإن استأذن وأبى يرفع الأمر إلى القاضي حتى يجبره على القطع، فإن لم يفعل الجار شيئاً من ذلك، ولكن قطع بنفسه ابتداء، فإن قطع من موضع لا يكون القطع من موضع آخر أعلى منه، أو أسفل أنفع للمالك (١٢٢أ٢) لا يضمن.
هكذا ذكر شيخ الإسلام في شرح كتاب الصلح، وذكر شمس الأئمة الحلواني في شرح كتاب الصلح أيضاً: أنه إذا أراد القطع، فإنما يقطع في ملك نفسه، ولا يكون له أن يدخل بستان جاره حتى يقطعه؛ قال رحمه الله: وقد قال مشايخنا: إنما يكون له أن يقطع من جانب نفسه إذا كان يقطعه من جانب نفسه مثل قطعه من جانب صاحبه في الضرر، أما إذا كان قطعه من جانب صاحبه أقل، فهذا ليس له أن يقطع، ولكن يرفع الأمر إلى القاضي ليأمره بالقطع، فإن لح وإن بعث القاضي نائباً حتى يقطعه من جانب صاحب النخلة، ثم في الموضع الذي لا يضمن إذا قطعه بنفسه؛ لا يرجع على صاحب النخلة بما أنفق في مؤنة القطع؛ لأنه كان يمكنه أن يرافع الأمر إلى القاضي حتى يأمره بذلك، أو يأمر به صاحب النخيل، فإذا لم يقطع صار متبرعاً.
أخرج شجرة الجوز صغاراً رطبة فأتلف إنسان تلك الجوزات يضمن نقصان الشجرة؛ لأن تلك الجوزات، وإن لم يكن لها قيمة، وليست بمال حتى لا يضمن بالإتلاف لأعلى الشجرة، فإتلافها ينقص قيمة الشجرة، فينظر: أن هذه الشجرة بغير تلك الجوزات بكم تشترى ومع تلك الجوزات بكم تشترى فيضمن فضل ما بينهما.
رجل غصب من آخر ثوباً، فقطعه قميصاً وخاطه، فاستحقه رجل من يد الغاصب؛ رجع المغصوب منه بقيمة الثوب على الغاصب؛ لأن هذا قضاء ما نملك بسبب حادث من جهة المدعى عليه، فلا يظهر أن الغاصب لم يغصب مال المغصوب منه.
وكذلك لو غصب لحماً فشواه، فاستحق الشوي، فللمغصوب منه أن يرجع على