إذا قال: أرضي صدقة موقوفة لله تعالى أبداً على أن أعطي عليها من شئت من الناس، فهو جائز، وليس له أن يعطي نفسه. وإن قال بعد ذلك: جعلت عليها لفلان ما عاش، فذلك جائز ويصير كأنه سماه عند الوقف وشرط له ذلك، فإن قال بعد ذلك: حولتها عن فلان وجعلتها لفلان ليس له ذلك؛ لأن مشيئته قد انقطعت عن غلة هذا الوقف ما دام فلان حياً؛ لأن تعيينه قد صح في هذه الحالة، والتحق بالتعيين في ابتداء العقد.
وهو نظير ما لو قال: أوصيت بثلث مالي إلى فلان يعطيه من شاء، فقال: فلان بعد موت الموصي: شئت أن أعطيه فلاناً، ثم قال بعد ذلك: أعطيته فلاناً آخر ليس له ذلك كذا هاهنا، فإن مات من جعل له الغلة ما عاش عادت المشيئة إلى الواقف؛ لأن جعل المشيئة إلى نفسه عاما في جميع ما يخرج الله تعالى من الغلات، وإنما قطع المشيئة في بعض الغلات وهو ما يوجد في حال حياة فلان، فتكون مشيئة باقية فيما وراءه. وإن مات الواقف قبل أن يجعل الغلة لواحد من الناس كانت الغلة للفقراء؛ لأنه لما قال في صدر الكلام: صدقة موقوفة قد جعلها للفقراء، وبقوله: على أن أعطي عليها من شئت، أستثنى عن حق الفقراء وبموته بطل الاستثناء، فعادت إلى الفقراء.
ثم يدخل في هذا الوقف (الفقراء) والأغنياء بخلاف ما إذا وقف على الأغنياء، فإن ذلك لا يجوز؛ لأن الأغنياء لا انقراض لهم، فلا يتصور أن للفقراء فيه حقاً بحال وإنهم مجهولون و (هذه) الجهة ليست بقربه، وفي مسألتنا يتصور أن يكون للفقراء حق بأن يعطي الفقراء.
ولو جعل غلتها لفلان سنة جاز وله أن يجعلها بعد ذلك لمن شاء، وإن جعل غلتها لرجلين فالغلة بينهما ما شاء، فان مات أحدهما فللحي نصف (٦أ٣) الغلة ولو قال: جعلت غلتها لولدي صح كما لو وقف عليه في الابتداء.
ولو قال: جعلت عليها لأهل الدنيا الفقراء والأغنياء فالقياس أن يكون الوقف باطلاً، وفي الاستحسان: الوقف صحيح والجعل باطل، وله المشيئة على حالها لأن أصل الوقف للفقراء وإنه جائز، إلا أنه استثنى الغلة لمشئية نفسه، فإذا لم تصح المشيئة بقي الوقف على حاله والمشيئة على حالها كأنه لم يشأ أصلاً، ولو أوصى بثلث ماله وقال: فلان يعطي من شاء فذلك جائز، فإن اختار أن يضع عند ابن الميت، فإن أجاز سائر الورثة جاز، وإن أبوا بطل وعاد الثلث إلى الورثة، وليس له المشيئة بعد ذلك؛ لأن تعيين الوصي، وإنه قائم مقام الموصي كتعيين الموصي.n
ولو كان الموصي أوصى لوارثه لا يجوز، فكذا إذا عين الوصي وارثه للوصية.
ولو وقف في مرضه على أن يعطي فلانٌ غلتها من شاء، فاختار الوصي أن يضع ذلك في ولد الميت لا يجوز؛ لأن الوقف في المرض وصية وتعيين (الوصي كتعيين) الموصى، فكأن الواقف أوصى لولده، ويبطل الوقف قياساً كما في الوصية؛ لأن تعيين الوصي كتعيين الموصي في الوقف، فكأن الموصي وقف على ولده في المرض فهذا