العمارة كالحوانيت والدور وليس معه شريك في الوقف حينئذ جازت الإجارة، وأما في الأرض إن كان الواقف شرط تقديم العشر والخراج وسائر المؤن وما فضل فللموقوف عليهم فليس لهم إجارته؛ لأن فيه إبطال (لشرط) الواقف البداية بالخراج والمؤن.
بيانه: أن إجارة الموقوف عليه إنما تجوز على معنى إجارته ملك نفسه لا على اعتبار إجارته للوقف؛ لأنه ليس بمتول للوقف، وإذا كان جواز إجارته على اعتبار إجارته ملك نفسه لنفسه كان الأجر له ليس فيه خراج ولا شيء فهو على معنى قولنا: إن فيه إبطال شرط الواقف، وأما إذا لم يشترط بداية الخراج والمؤن يجب أن تجوز إجارته ويكون الخراج والمؤنة عليه، وهو نظير ما روي عن أبي يوسف في أرض الوقف إذا كان الموقوف عليهم اثنين أو ثلاثة فتقاسموا وأخذ كل واحد منهم أرضاً يزرعها بنفسه قال أبو يوسف: إن كانت الأرض عشرية جاز منها ما يأتهم، وإن كانت الأرض خراجية لا يجوز قال: لأن العشر صدقة، وما وقف عليهم كالصدقة عليهم، فصارت الجهة في جميع الغلة واحدة فأشبه سكنى الدار.
إذا كان الموقوف عليهم نفراً فبدالهم أن يقتسموا وأن يسكن كل واحد منهم ناحية منها على سبيل التهايؤ إذ ليس فيه تعين شرط إذ ليس سبيل العشر أن يبدأ كما يبدأ بالخراج والمؤن، وأما في الأرض الخراجية، فإن عادة الواقفين شرطهم بداية الخراج من الغلات، ونحن لو أخرنا التهايؤ لم يكن الخراج في الغلة، بل يكون في ذمة الموقوف عليهم إذ (الحال) صورة التهايؤ، وأن يخص كل واحد منهم بما يخصه، ولما صار بالمنفعة مختصاً كان المالك، فيكون الخراج في ذمته كالمالك، فيكون فيه تعيين شرط الواقف،؛ لأن الواقف شرط أن يكون الخراج في الغلة.
قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله: وقد احتال بعض الصكاكين في زماننا في الصكوك في إجارة الوقف لما كان الفتوى على أن إجارة الوقف لا تجوز في السنين الكثيرة فذكروا في الصك أن الواقف وكل فلان بإجارة هذه الضيعة من فلان كل سنة بكذا وهي ما أخرجه من الوكالة فهو وكيل. وأرادوا بذلك بقاء الوقف في يد المستأجر أكثر من سنة. قال الفقيه أبو جعفر: إلا أنا نبطل هذه الوكالة في الوقف، وإن كان القياس تجويزه تحرياً بإصلاح الوقف كما تبطل الإجارة.
وقد اختلف نصير بن يحيى ومحمد بن سلمة في الوكالة بهذه الصفة قال نصير: يجوز، وقال محمد بن سلمة: لا يجوز، قال الفقيه أبو جعفر: إنما اختلفا لاختلافهما في معنى قولهما: مهما عزلتك فأنت وكيلي، قال محمد بن سلمة: معناه كلما عزلتك فأنت وكيلي بالوكالة السابقة، وهذا مخالف للشريعة؛ لأنهما قصدا أن لا يرد على هذه الوكالة العزل، ومن حكم الشرع أن الوكالة يرد عليها العزل. وقال نصير معناه: كلما عزلتك فأنت وكيلي وكالة مشايعه، ولو صرح بهذا يصح؛ لأن الوكالة يصح تعليقها بالشروط، فيصح تعليقها بشرط العزل قال الفقيه أبو جعفر: ونحن نبطل هذه الوكالة في الوقف؛ لأنه أصلح للوقف.