مال الغائب والدين الذي لا يقدر على أخذه كأن لم يكن له مال، وهو يقدر على الاستقراض فلم يستقرض وأخذ الزكاة والوقف أليس انه لا يكره كذا هنا.
والفقير الكسوب لا بأس أن يأخذ من غلة الوقف، وإن كان لا يحل له الزكاة؛ لأن باب الوقف واسع، ألا ترى أنه لا يجوز أخذ الزكاة لفقراء بني هاشم، ويجوز لهم أخذ غلة الوقف إذا سموا في الوقف، وإن كان له دين على مفلس فهو فقير، وإن كان على مليء وهو مقر به فهو غني، وإن كان منكراً وله نية فكذلك، وإن لم يكن له نية فهو فقير.
ولو قال: أرضي صدقة موقوفة على فقراء قرابتي وفيهم رجل فقير يوم مجيء الغلة فاستغنى قبل أن يأخذ حصته فهذه حصته؛ لأن الملك قد وجب له يوم مجيء الغلة. ألا ترى أن من مات بعد مجيء الغلة قبل أخذ نصيبه لا يبطل نصيبه، وإنما لا يبطل لما قلنا، فإن ولدت امراة من قرابته ولداً بعد مجيء الغلة لأقل من ستة أشهر فلا حصة لهذا الولد في هذه الغلة؛ لأن الاستحقاق بصفة الفقراء مع صفة القرابة، وصفة الفقر غير ثابتة للحمل؛ لأن الفقر هو الحاجة ولا حاجة للحمل إلى شيء، وإنما يثبت له صفة الفقر بالانفصال عن الأم فهو كواحد من قرابته كان غنياً يوم مجيء الغلة ثم افتقر بعد ذلك لا يستحق من هذه الغلة شيئاً كذا ههنا.
ولو قال: على من كان فقيراً من نسل فلان، وليس في نسل فلان إلا فقير واحد، فله جميع الغلة؛ لأن كلمة (من) جهة تصلح كناية عن الجماعة وعن الواحد، قال الله تعالى:{ومنهم من يستمع إليك}(الأنعام: ٢٥) ذكر الاستماع بلفظة الوحدان ثم قال: {وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه}(الأنعام: ٢٥) يفقهوه بخلاف ما لو قال: على فقراء بني فلان أو قال: على فقراء آل فلان، وليس فيهم إلا فقير واحد، فله نصف الغلة؛ لأنه نص على صيغة الجمع هنا وأقل ما ينطلق عليه اسم الجمع في هذا الباب المثنى، فصار موجباً لهذا الواحد نصف الغلة.
إذا قال: أرضي صدقة موقوفة على فقراء ولد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقف رجل آخر أرضه على مثل ذلك وفي أولاد عمر فقراء فأي الغلتين أدركت فهي لهم، وإن أدركت إحدى الغلتين فأصاب كل واحد منهم تلك مائتا درهم فصاعداً ثم أدركت الغلة الأخرى وعندهم ذلك فلا حقَّ لهم في الأخرى؛ لأن صفة الفقر قد بطلت قبل مجيء الغلة الأخرى، ولو أدركت الغلتان معاً كانتا لهم، وإن كان يصيب كل واحد رجل منهم من كل غلة ما يصير به غنياً؛ لأن صفة الفقر قائمة عند الغلتين وهو نظير ما (لو) أوصى رجلان كل واحد منهما بثلث ماله لفقراء ولد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فوقع على الرجلين بيت وماتا قبلت كل واحد منهما لفقراء ولد عمر، وإن كان كل واحد منهما يغنيهم.
كذلك لو كان الواقف رجلاً واحداً وقد وقف وقفين أرضين في وقتين كان الجواب فيه كالجواب فيما إذا كان الوقف من رجلين إخوان الأب والأم وقفا على فقراء قرابتهما، فجاء بفقير واحد من القرابة ينظر إن كانا وقفا أرضاً مشتركاً بينهما (١٣ب٣) يعطى هذا الفقير قوت واحد،؛ لأن هذا وقف واحد.