للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن وقف كل واحد أرضاً على حدة يعطى من كل واحد على حدة، والمراد من القوت في جنس هذه المسائل الكفاية، فإن كان الوقف أرضاً يعطى كفاية سنة بلا إسراف ولا تقتير؛ لأن غلة الأرض إنما يحصل بالسنة، وإن كان الوقف حانوتاً يعطى كفاية شهر،؛ لأن غلة الحانوت يحصل كل شهر، وإذا وقف على فقراء قرابته، فجاء رجل يدعي الغلة ويدعي أنه قريب الواقف، وإنه فقير كلف إقامة البينة على القرابة وعلى أنه فقير محتاج إلى هذا الوقف، وليس له أحد يلزمه نفقته، والقياس أن لا يكلف إقامة البينة على الفقر؛ لأن الأصل الفقر؛ لأنه خلق عديم المال استحساناً.

وقلنا: يكلف إقامة البينة على ذلك؛ لأن الاستحقاق بالفقر الأصلي بالظاهر واستصحاب الحال، وإنه لا يصلح حجة للاستحقاق، ثم شرط مع إقامة البينة على الفقر إقامة البينة على أنه ليس له أحد يلزمه نفقته؛ لأنه يعتبر غنياً ببقاء المنفق في حق حكم الوقف، وفيه كلمات كثيرة تأتي بعد هذا إن شاء الله تعالى، فإن أقام البينة على أنه فقير محتاج إلى هذا الوقف، وليس له أحد تلزمه نفقته أدخله القاضي في الوقف، واستحسن هلال أن لا يدخله حتى يسأل عنه في السر، قال مشايخنا: وإنه حسن، وقال أيضاً إن الخامسة على ما قلنا، ويسأل القاضي في السر أيضاً، ووافق خبر السر البينة أنه فقير، وليس له أحد تلزمه نفقته، فالقاضي لا يدخله في الوقف حتى يستحلف بالله مالك مال، وأنك فقير. قال مشايخنا: وإنه حسن أيضاً؛ لأن مال الغير لا يقف عليه غيره في الحقيقة وهو يعلم ذلك، فيستحلف عليه، وكذلك يستحلف على قول هلال بالله مالك أحد تلزمه نفقتك، وإنه حسن أيضاً، وهكذا ذكر الخصاف في وقفه.

وإن شهد شاهدان على فقره وأخبره عدلان في السر أنه غني، فخبر الغنى أولى؛ لأنه مثبت، ولأن المخبر عن الغني يعلم الآخر قال هلال: والخبر في هذا الباب والشهادة سواء؛ لأن هذا ليس بشهادة على الحقيقة بل هو خبر، وإن شهد الشهود أنا لا نعلم له أحداً تلزمه نفقته يكتفي به ولا يكلف الشاهدان بقطع القول بأنه ليس له أحد ينفق عليه كما في الميراث إذا شهدوا أنا لا نعلم له وارثاً غيره يكتفي به ولا يكلف الشاهدان بقطع القول أنه ليس له وارث غيره.

وإذا أراد الرجل إثبات قرابة ولده وفقره في الوقف، فله ذلك إن كان صغيراً؛ لأنه له ولاية عليهم، ووصي الأب في هذا بمنزلة الأب، فإن لم يكن لهم أب ولا وصي الأب ولهم أم أوأخ أو عم أو خال، فلهؤلاء إثبات قرابة الصغير في حجره استحسانا؛ لأن هذا محض منفعة في حق الصغير فصار كقبول الهبة، ولهؤلاء قبول الهبة على الصغير في حجره إلا أن بين قبول الهبة وبين إثبات القرابة نوع فرق، فإن غير الأب يقبل الهبة على الصغير، وإن كان الأب حياً، ولا يثبت قرابة الصغير وفقره إذا كان الأب حياً.

والفرق أن الهبة ربما تفوت لو انتظر مجيء الأب بأن يرجع الواهب عما أوجب أو يقوم من يجلسه، فيبطل الهبة لو انتظر حضور الأب، وهنا لو انتظر حضور الأب لا يفوت على الصغير شيء؛ لأن الأب إذا حضر يثبت قرابة الصغير وفقره في الأزمنة الماضية،

<<  <  ج: ص:  >  >>