ولو كان له عم واحد وخالان فعلى قول أبي حنيفة للعم نصف الغلة والنصف بين الخالين نصفين؛ لأن أبا حنيفة يعتبر الأقرب، وقرابة العم أقرب فكأن العم انفرد، إلا أن العم الواحد لا يستحق أكثر من نصف الغلة إذا كان الإنفاق بلفظ الجمع عنده؛ لأن استحقاق الكل عنده في هذه الصورة معلق بوجود الجمع والواحد ليس بجمع لا بد، وأن ينقص من الكل شيئاً، وأعلى ما يستحق الواحد وغيره النصف، وإنما اعتبرنا الأعلى وهو النصف؛ لأنه إنما ينقص حقه عن النصف إذا كثر المزاحم ولا نهاية لما زاد على الواحد، فلا يعتبر المزاحم أكثر من الواحد، وإذا أخذ العم نصف الثلث خرج هو من البين وصار الواقف في النصف الباقي كأنه لا عم له، فيكون بين الخالين، وعلى قول أبي يوسف ومحمد الغلة بين العم والخالين بالسوية لما قلنا: إنهما لا يعتبران الأقرب ولا يعتبران الجمع.
ثم اختلف المشايخ على قول أبي يوسف ومحمد، بعضهم قالوا: إنما يصح الوصية لقرابة إذا كان من يجمعه وأقصى أب له في الإسلام لا يخرجون عن حد الإحصاء.
وعامة المشايخ على أن الوقف صحيح على كل حال، ولأن هذا وقف أريد به وجه الله تعالى وهو صلة القرابة فيصح على كل حال.
فبعد ذلك إن كانوا يحصون، فالغلة بينهم على السوية لا يفضل البعض، وإن كانوا لا يحصون صار كأنه وقف على الفقراء، فعلى قول أبي يوسف جاز صرف جميع الغلة إلى الواحد منهم بناء على أن الفقراء عنده اسم جنس، وعند محمد لا يجوز أن يعطي دون الاثنين بناء على أن عنده الفقراء اسم جمع وأقل الجمع في هذا الباب المثنى أصل هذا الاختلاف في الوصايا: قال الله تعالى: {الوصية للوالدين والأقربين}(البقرة: ١٨٠) عطف القريب على الوالد والشيء لا يعطف على نفسه ولأن اسم القريب يبنى عن القرب وبين الوالدين والمولودين بعضه، وإنما يبنى عن الإيجاد دون القرب.
ودخل تحت هذا الوقف الجد والجدة وولد الولد؛ لأن اسم القريب ينطلق عليهم.
وروى الحسن عن أبي حنيفة أنهم لا يدخلون، والذي ذكرنا في قوله لأقربائه ولذوي قرابته فكذا في قوله يدخل لأرحامه ولأنسابه ولذوي أنسابه؛ لأن المعنى يجمع الكل.
ولو وقف على ذي قرابته أو على قرابته فالقياس أن تكون الغلة لواحد من قرابته حتى إذا كان له عم وخالان، فالغلة كلها للعم؛ لأن اللفظ فرد بصيغته وفي الاستحسان الوقف عليهم؛ لأنه يراد به الجنس، فإنه يراد به التودد، فكأنه عمهم.
قال أبو حنيفة رحمه الله: هذه المسألة يجب أن تكون على الخلاف على قياس مسألة الوصية إذا أوصى بثلث ماله لهذا ولهذا أو لأحد من بني فلان، فعلى قول أبي حنيفة الوصية باطلة؛ لأنها وقعت لمجهول وعلى قول محمد الوصية جائزة وللورثة الخيار؛ لأنهم قائمون مقام المورث وعلى قول أبي يوسف الثلث لهما؛ لأنه ليس أحدهما بأولى من الآخر، فعلى قياس تلك المسألة يجب أن تكون الغلة للكل على قول أبي