الفقراء، فلا يصير آكلا ملك نفسه لو حل له الأكل حل بطريق الصدقة، ولا وجه إليه؛ لأنه يصير متصدقاً على نفسه، وقال الفقيه أبو جعفر: يجوز أن يفرق بين الابتداء وبين الانتهاء، فيقال في الابتداء: إنما يستحق بالشرط؛ لأن الشرط خرج على وجه الفساد، وهذا الوقف قد صح بإضافته إلى الفقراء، فيجوز له التناول بحكم فقره، وهذا كما قال محمد في «السير» إذا قال الأمير: إن قتلت هذا الكافر فلي سلبه ثم قتله لا يستحق السلب؛ لأن كلامه خرج على وجه الفساد.
وبمثله لو قال: من قتل قتيلاً فله سلبه فقتل الإمام بنفسه كافراً استحق السلب؛ لأن كلامه خرج على الصحة، فيستحق السلب عند وجود نسبته منه.
المسألة الثانية: إذا احتاج بعض قرابته، فإن كان الوقف في حالة مرض الموصي لا يعطي؛ لأن هذا في معنى الهبة للوارث في مرض الموت لا يجوز، وكذا إن كان الوقف في حالة الصحة، ولكن يضاف إلى ما بعد الموت بأن قال: أرضي هذه صدقة موقوفة بعد وفاتي على المساكين، وهي تخرج من الثلث؛ لأن هذه الوصية والوصية للوارث باطلة، ويعطي ولد ولده إن لم يكن وارثاً ذكر هلال في وقفه، وذكر الخصاف في «وقفه» أنه إذا أوصى الواقف أن يجعل أرضه صدقة موقوفة لله أبداً بعد وفاته على المساكين، فاحتاج ولده أعطاهم غلة هذه الصدقة، وليس هذا بوصية، وأجاب عن قول هلال؛ لأن هذا وصية، فقال: هذا من طريق الايجاب، وإن كان الوقف في حالة الصحة ولم يكن مضافاً إلى ما بعد الموت، ذكر في «واقعات الناطفي» : أن الصرف إلى ولد الواقف أفضل، ثم إلى قرابة الواقف ثم إلى مولى الواقف ثم إلى أهله حضره أيهم أقرب من الواقف منزلاً، وذكر هلال في وقفه أن يعطي أقل من مائتي درهم، وهو أولى من سائر الفقراء.
ولو رأى القيم أن لا يعطيه كان له ذلك وهو قول الفقيه أبي بكر الأعمش رحمه الله مقصود الواقف من الوقف الثواب، والتصدق على فقراء القرابة أكثر ثواباً، وإليه أشار عليه (الصلاة والسلام) في قوله لامرأة عبد الله بن مسعود حين أرادت أن تتصدق على زوجها «لك أجران أجر الصدقة (وأجر القرابة) » والدليل عليه أن في باب الزكاة على قرابته الذين دور الدفع إليهم أولاً ثم إلى جيرانه ثم إلى أهل بلده، ولكن يعطى أقل من مائتي درهم، ولو أعطى مائتي درهم يجوز، ويكره كما في الزكاة، وكان الفقيه أبو بكر الإسكاف يقول: لا يعطي لأحد من قرابة الواقف شيء من هذا الوقف؛ لأنه إن أعطى صيروه ملكاً بمرور الزمان، فيؤدي إلى إبطال الوقف، وكان الفقيه أبو القاسم الصفار رحمه الله يقول: إن طلب وخاصم وباع القيم لا يعطى؛ لأنه إذا خاصمه في ذلك أن قصده التملك وإبطال الوقف بخلاف ما إذا لم يخاصم ولم ينازع، وكان الفقيه أبو جعفر رحمه الله يقول: إن خاصم القيم ونازعه لا يعطى، وإن لم يخاصمه ولم ينازعه يعطى وهو أولى، ولكن لا يصرف إليه كل الغلة، فإنما يصرف في بعض الأزمان دون البعض؛