لأن في صرف الكل إليهم على الدوام إبطال الوقف عسر؛ لأنه ربما يقع عند الناس أنه ملكهم فيشهدون له بالملك عند دعواه ذلك لنفسه، هذا إذا وقف على الفقراء أو احتاج إليه بعض قرابته، فأما إذا وقف على فقراء قرابته تصرف جميع الغلة إليهم، وإن كان نصيب كل واحد منهم أكثر من مائتي درهم؛ لأن الواقف أوجب ذلك، وأما إذا وقف على الأفقر فالأفقر من قرابته، فهنا لا يعطي الكل إنما يعطي أقل من مائتي درهم.
قال هلال: إذا وقف على الفقراء جاز صرفه إلى ولده إذا احتاج إليه، وفرق بين الوقف وبين الزكاة، فإنه لا يجوز صرف الزكاة إلى ولده، والفرق أن بوجوب الزكاة لم يزل ملك المالك عن قدر الزكاة، فكان الواجب على المالك الإخراج والتمليك من كل وجه، ولا يتحقق ذلك فيما بين الوالدين والمولودين؛ لأن منافع الأملاك بينهما متصلة، أما الوقف قد زال عن ملك الواقف بنفس الإنفاق، فليس عليه الإخراج والتمليك من كل وجه، وإنما عليه إعانة الفقراء على أخذ حقهم، والإعانة على أخذ الحق يتحقق بين الوالدين والمولودين.
ولو وقف أرضه على أن نصف غلتها للمساكين ونصفها للفقراء من قرابته فاحتاج قرابته وكان الذي سمي لا يكفيهم يعطيهم (١٧أ٣) ما جعل للفقراء لفقرهم قال هلال: وهو قول أبو يوسف بن خالد السمتي، وقال إبراهيم بن يوسف البلخي: وعلي بن أحمد الفارسي والفقيه أبو جعفر الهندواني يعطون من نصيب الفقراء؛ لأنهم فقراء وفقراء قرابته يستحقون بالجهتين جميعاً كمن وقف أرضاً على قرابته وأرض جيرانه وبعض جيرانه قرابته يستحقون من الوقفين، وجه قول هلال: أنه لما بين نصيب كل فريق فقد قطع الشركة وشرط لكل فريق بعضه فيجب رعاية شرطه.h
وعن أبي يوسف أن الواقف إن شرط في الوقف أن لفقراء قرابته كذا وللمساكين والفقراء كذا، يعطي فقراء القرابة من نصيب الفقراء، وبه أخذ محمد بن سلام البلخي رحمه (الله) وجعلا هذا نظير الوصية، فإن أوصى ببعض الثلث لقرابته وببعضه للفقراء استحق القريب من نصيبه الفقراء إذا كان فقيراً، وبمثله لو أوصى ببعض الثلث لقرابته والباقي للفقراء لا يستحق القريب من نصيب الفقراء كذا هنا.
لو جعل أرضه صدقة موقوفة على الغارمين وله قرابة محتاجون، فإنهم لا يعطون منها شيئاً إلا أن يكونوا غارمين اعتباراً للشرط، وكذلك إذا قال في ابن السبيل: لا يعطي قرابته منها شيئاً إلا أن يكون في قرابته ابن السبيل، وكذا إذا قال: في سبيل الله قال: وسبيل الله الغزو والجهاد، وعن أبي يوسف ومحمد رحمهما الله أنهما قالا: جميع وجوه الخير والبر سبيل الله، ولو جعل أرضه صدقة موقوفة على الفقراء فاحتاج قرابته فرفع ذلك إلى القاضي فأعطاهم منها القوت أيكون هذا حكماً لهم من القاضي بالأقوات؟