ومحمد والفتوى في غصب الموقوف على الضمان نظراً للوقف، كما أن الفتوى في غصب منافع الوقف على الضمان نظراً للوقف، فظن بعض مشايخ ديارنا أن هذه المسألة دليل على أن دعوى الموقوف عليه أن هذا وقف عليه صحيح، وليس الأمر كما ظنوا وهذه المسألة لا تصلح دليلاً؛ لأن الدعوى هنا ما وقع في الوقفية وإنما وقع في غصب الوقف، وإتلافه رجل وقف موضعا في حياته وصحته وأخرجه من يده فاستولى عليه غاصب وحال بينه وبينه، يؤخذ من الغاصب قيمته ويشتري به موضع آخر فيوقف على شرائط؛ لأن الغاصب لمَّا جحد صار مستهلكاً والشيء المسبل إذا صار مستهلكا يجب الاستبدال به كالفرس المسبل في سبيل الله إذا (صار) مستهلكاً فهذا استحسان أخذ به المشايخ.
رجل وقف ضيعة له ثم إن الواقف زرعها وأنفق فيها وأخرجت زرعاً والبذر من قبل الواقف فقال: أنا زرعتها لنفسي ببذري وقال أهل الوقف: إنما زرعتها للوقف فالقول قول الواقف الزارع، والزرع من قبل أن البذر له، فإن سأل أهل الوقف من قبل القاضي أن يخرجها من يده، وإذا كان قد زرعها لنفسه ولم يكن له ذلك لايخرجها من يده ولكن يتقدم إليه في زراعتها للوقف، فإن احتج بأنه ليس للوقف عنده مال ولا بذر قال له القاضي: استدن على الوقف واجعل ما تستدين به في البذر والنفقة على الزرع، فإن قال: لا يمكنني ذلك قال لأهل الوقف استدينوها: أنتم ما تشترون به بذراً وما يكون في النفقة على ذلك حتى يأخذوا ذلك مما يجيء من الغلة، فإن قالوا: لا نأمن أن نستدين نحن ونشتري البذر وما صار في يد الواقف جحد ذلك ولكن نحن نزرع، فإنه لا ينبغي أن يطلق؛ لأن الذي وقف أحق بالقيام إلا أن يكون مخوفاً عليه لايؤمن أن يبلغه،، فإن زرع الواقف الأرض وأنفق عليه فأصاب الزرع آفة من غرق أو غير ذلك وذهب الزرع فقال الواقف: استدنت وزرعت هذا الزرع الذي أعطت للوقف وجاءت غلة أخرى فأراد أن يأخذ من هذه الغلة ما ذكر أنه استدانه لذلك، وقال أهل الوقف إنما زرع ذلك لنفسه فالقول في ذلك قول الواقف وأن يأخذ هذه الغلة ما استدان لهذا الزرع، فإن قال الواقف: الزارع استدنت ألف درهم واشتريت بها بذراً وانفقت عليه، وقال أهل الوقف: إنما أنفق من ثمن البذر والنفقة على الزرع خمس مئة قال تصدق الواقف (٢١ب٣) في مقدار ما ينفق على مثل ذلك، فإن اختلف والي الوقف يعني القيم وأهل الوقف في الزرع فقال الوالي: زرعتها لنفسي ببذري ونفقتي وقال أهل الوقف: بل زرعته لنا فالقول قول الوالي والله أعلم.
نوع منه في المسائل التي يعود إلى الدعوى في الوقف:
رجل باع أرضًا ثم قال: إني كنت وقفتها أو قال: هو وقف علي، فإن لم يكن له بينة وأراد تحليف المدعي عليه ليس له أن يحلفه؛ لأن التحليف يترتب على دعوى صحيحة والدعوى هنا لم تصح لمكان التناقض، وإن أقام البينة قال الفقيه أبو جعفر: قبلت البينة وينقض البيع؛ لأن أكثر ما فيه أن الدعوى لم تصح بقيت الشهادة بلا دعوى إلا أن الشهادة على الوقف مقبولة من غير