قال: ولو شهد أحدهما أنه جعل أرضه صدقة موقوفة على الفقراء والمساكين وفقراء قرابته قال: هذا لا يشبه أبواب البر؛ لأن الذي يشهد لفقراء قرابته لم يشهد بجميع الغلة للفقراء والمساكين. ألا ترى أن رجلاً لو أوصى بثلث ماله للفقراء والمساكين وفقراء قرابته أني أنظر إلى عدة فقراء قرابته يوم مات، فأضرب لهم في الثلث بعددهم وأضرب الفقراء والمساكين بسهمين، فإن كان فقراء قرابته عشرة كان لهم عشرة أسهم وللمساكين سهمان، فكذلك في الوقف أنظر إلى فقراء القرابة وأنظر كم يصيب الفقراء، فأجعل ذلك وقفاً عليهم.
إذا شهد شاهدان أنه جعل هذه الأرض صدقة موقوفة علينا يجب أن يبطل قوله: علينا ويبقى قوله: صدقة موقوفة، فيقضى للفقراء كما لو اقتصرا على قولهما صدقة موقوفة، ألا ترى أنا ذكرنا قبل هذا أنهما لو شهدا أنه جعل أرضه صدقة موقوفة، فقال أحدهما: على عبد الله، وقال الآخر: على زيد، يبطل قولهما: على زيد وعبد الله، ويبقى على قولهما: صدقة موقوفة، قلنا: في تلك المسألة الكلام خرج مخرج الصحة؛ لأنه شهادة كله فيثبت ما اتفقا عليه لتمام الحجة ويبطل ما اختلفا فيه لعدم الحجة، وهنا الكلام خرج مخرج الفساد؛ لأنه خرج على وجه الدعوى، فيبطل كله كما لو شهدا أنه أبرأنا وفلاناً عن الدين أو شهدا أنه قذف أمنا وفلاناً بكلام واحد أو خاطب أختين فأجاب أحدهما لم يجز لما قلنا.
ولو شهدا أنه وقف أرضه علينا وعلى قوم آخرين فذلك كله باطل ولا يجوز للشركاء سواهم؛ لأن الكلام خرج على وجه الفساد. وكذلك إذا قالا: على قرابته وهما من قرابته، أو قالا: على نسله، أو قالا على آل عباس وهما من آل عباس، ولو قالا: علينا وعلى قوم آخرين معلومين، فأردنا أن لا تبطل شهادتهما، فلم يقبل ذلك قبلت شهادتهما؛ لأنه تمحض كلاً منهما شهادة وانعدمت التهمة وصار كالصغير إذا شهدا بالبيع وقالا: سلمنا الشفعة قبلت شهادتهما، ولو شهدا لقرابة الواقف وهما من قرابته وقالا: لم يقبل ذلك لم يقبل شهادتهما؛ لأن أولادهما من قرابتهما وردهما في حق الأولاد ولا يعمل فصارا شاهدين لأولادهما، وكذلك إذا لم يكن لهما أولاد؛ لأنه ربما يخلق لهما، فيستحقون بهذه الشهادة فصارا شاهدين لأولادهما مؤجلاً والبيع المؤجل والمعجل في منع قبول الشهادة على السواء.
إذا وقف الرجل كراستة على مسجد لقراء القرآن أو على أهل مسجد وهم يحصون حتى جاز الوقف، فشهد أهل ذلك المسجد على وقف الكراست فهذه الشهادة نظير مسألة شهادة مدرسته على وقف تلك المدرسة أو شهادة أهل محلة على وقف تلك المحلة والمشايخ فصلوا الجواب فقالوا في شهادة أهل المدرسة: إن كانوا يأخذون الوظيفة من ذلك لا تقبل شهادتهما، وإن كانوا لا يأخذون تقبل وكذلك قالوا في أهل المحلة: من