في «فتاوي أبي الليث» : سئل أبو بكر عن سراج المسجد هل يجوز أن يتركه في المسجد؟ فاعلم بأن هنا ثلاث مسائل:
أحدها: إذا تركوها من وقت المغرب إلى وقت العشاء والحكم فيها أنه لابأس بها.
الثانية: إذا تركوها كل الليل وإنه لا يجوز إلا في موضع جرت العادة بذلك المسجد كبيت المقدس والحرم ومسجد رسول الله عليه السلام.
المسألة الثالثة: إذا تركوها بعض الليلة وإنه جائز إلى ثلث الليل؛ لأن لهم تأخير العشاء إلى ثلث الليل بل يستحب لهم ذلك، وإنما يسرج في المساجد لأداء الصلاة، ويجوز ترك السراج في المسجد إلى وقت أداء الصلاة إذا كان في الدهن متسع يقبل له الجواز أن يدرس في المسجد لضوء سراج المسجد فقال: إن وضعوا السراج لأجل الصلاة يجوز، وإن وضعوا لا لأجل الصلاة بأن فرغوا من الصلاة وذهبوا وتركوا السراج في المسجد، فإن تركوا إلى ثلث الليل جاز التدريس بضوئه فلا بأس يبطل هذا الحق بالتعجيل، وإن أخذوا أكثر من ثلث الليل لا يجوز التدريس بضوئه إذ ليس لهم تأخير الصلاة إلى هذا الوقت، فلو جاز التدريس بضوئه جاز مقصودا وإنه لا يجوز.
سئل أبو القاسم عن شراء الدهن أو الحصير للمسجد أيهما أفضل؟ قال: هما سواء، قال الفقيه (أبو) الليث: إن كان المسجد محتاجا إلى أحدهما فشراؤه أفضل، وإن كانا سواء في الحاجة إليهما كانا في ثواب الآخرة سواء أيضاً، وسئل نصير عن ديباج الكعبة إذا خلق قال: لا يجوز أخذه ولكن للسلطان أن يبيعه ويستعين به على أمر الكعبة.
نوع منه فى المسائل التي تعود إلى الوقف على المسجد وما يتصل به
سئل الفقيه أبو القاسم عمن أراد أن يقف أرضاً له على المسجد في عمارته وما يحتاج إليه من الدهن وغيره كيف يفعل حتى يكون آمناً عن البطلان، قال: يقول: وقفت أرضي التي في موضع كذا أحد حدودها كذا، والثاني والثالث والرابع كذا بحقوقها وقفاً مؤبداً في حياتي وبعد وفاتي على أن يستغل بوجوه غلاتها ويبدأ من غلاتها بما فيه من عمارتها، وأجر القوام عليها، ويدفع من غلاتها ما يحتاج إليه من الثواب فما فضل من ذلك يصرف إلى عمارة المسجد بموضع كذا ويصرف للمسجد ودهنه وحصيره وما فيه مصلحة المسجد على أن للقيم أن يتصرف على ما يرى فيه، وإذا استغنى هذا المسجد صرفت الغلة إلى فقراء المسلمين، وإن أراد أن يزيد في الاحتياط يرفع بعد ما سلم إلى المتولي حتى يخاصمه عند القاضي، فيقضي القاضي بجواز البيع ولزومه وبطلان رجوعه.
إذا وقف الرجل أرضاً له على المسجد ولم يجعل آخره للمساكين كان محمد بن سلمة رحمه الله يقول: يجب أن يكون هذا الفصل على الاختلاف، وعند محمد: لا يصح؛ لأن عنده إذا خرب ما حول المسجد بطل المسجد وعاد ملكاً له أو ميراثاً لورثته، فلا يكون الوقف مؤبداً، وعلى قول أبي يوسف: يصح؛ لأن عنده المسجد لا يبطل بخراب ما حوله، فكان الوقف مؤبداً إن قلنا: إن التأبيد عنده شرط كيف وإن في اشتراط