للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التأبيد على قوله اختلاف المشايخ على ما مر، وكان أبو بكر الإسكاف يقول: ينبغي أن لا يصح الوقف عندهم جميعاً، أما عند محمد لما ذكرنا، وأما عند أبي يوسف؛ فلأن الوقف على المسجد وقف على عمارته والمسجد اسم للبقعة لا تعلق له بالبناء والصلاة فيها ممكن بدون البناء، فلا يكون بناؤه قربة حقيقة فلا يصح الوقف، وكان أبو بكر بن سعيد يقول: ينبغي أن يصح الوقف بلا خلاف؛ لأن البناء إن لم يكن مسجداً حقيقة ولكن وصل بالمسجد يصير تبعاً له ويصير منه حكماً، ألا ترى أن البناء يستحق بالشفعة، وإذا كان كذلك صار بناء المسجد من طريق الحكم كجزء من المسجد، فيصير الوقف على عمارته بمنزلة جعل الأرض مسجداً أو بمنزلة زيادة في المسجد، فيكون فوقه مسجد وما يتوهم من الانقطاع بخراب ما حوله عند محمد لا يمنع صحة الوقف كما لا يمنع صحة جعل داره مسجداً، وكان الفقيه أبو جعفر يقول: هذا القول أحب إلي، وعلى هذا القياس فقهاء الأمصار، ولو كان الوقف على المساجد صح؛ لأن جنس هذه القربة لا ينقطع ما دام الإسلام باقياً.

وفي «الأجناس» وفي «جامع يزيد الطبري» : سمعت محمد بن الحسن يذكر عن أبي حنيفة، لو جعل أرضاً وقفاً على المسجد جاز. في «فتاوي أبي الليث» : سئل الفقيه أبو جعفر رحمهما الله عمن (قال) : جعلت حجري لدهن سراج المسجد، ولم يزد على هذا صارت الحجرة وقفاً على المسجد بما قال ليس له الرجوع ولا له أن يجعل لغيره، وهذا إذا سلمه للمتولي عند محمد وليس للمتولي أن يصرف عليها إلى غير الدهن؛ لأن الواقف وقفها على دهن المسجد.

وفيه أيضاً: لو قال: هذه الشجرة للمسجد لا يصير للمسجد حتى يسلم إلى قيم المسجد؛ لأن قوله: هذه الشجرة إن كان هبة لا يعمل إلا بالتسليم عند الكل، فإن كان وقفاً لا يعمل إلا بالتسليم عند محمد وعليه الفتوى.

في «الأجناس» وفي «صلاة الإملاء» : لو تصدق بدار على المسجد لا يجوز ويكون ميراثاً؛ لأن المسجد لا يتصدق عليه، وكذلك لو تصدق على طريق المسلمين، وذكر الصدر الشهيد رحمه الله في باب الواو: إذا تصدق على المسجد وعلى طريق المسلمين تكلموا فيه، والمختار أنه يجوز كالوقف.

وفي «الأجناس» أيضاً: إذا وقف أرضه على قرية مسجد كذا وبمن يوارثه ورثته قناديل وقال: إن استغنى عنه المسجد كانت الغلة للمساكين حتى جاز بالإجماع، واجتمعت الغلة والمسجد لا يحتاج إلى مرمة للحال إلا أنهم (إن) خافوا تعطل الغلة وحاجة المسجد إلى المرمة، فلا بأس بأن يحبسوا ذلك إلى أن يحتاج إليه المسجد، قال: إلا أن يكون الغلة داره فيفرق ما يفضل من الغلة على المساكين، ولو انهدم هذا المسجد فاحتاج أهله أن يبنوه، وقد حصل من غلة هذا المسجد ما يكفي لبنائه، فإنه لا يصرف هذه الغلة إلى البناء؛ لأن الواقف جعل الوقف على مرمته نظر سطحه واجماع يدخل في وقفه وما أشبهه، أما ما جعل الوقف على البناء.

<<  <  ج: ص:  >  >>