بناء من ماله بغير إذن أحد، فالأصل لورثة الواقف، والبناء لورثة الثاني.
ومن هذا الجنس قال: وقف صحيح على أقوام مسلمين فخرب ولا ينتفع (به) وهو بعيد من القرية لا يرغب أحد في عمارته بطل الوقف ويجوز بيعه، فهذه الجملة من هذا الجنس، في «فتاوي أبي الليث:» رجل جمع مالاً من الناس لبقعة في بناء المسجد فأنفق في حاجته من تلك الدراهم ثم رد بدلها في نفقة المسجد لا يسعه أن يفعل ذلك، فإن فعل فإن عرف صاحب ذلك المال رد عليه أو سأله تجديد الإذن؛ لأنه دخل في ضمانه فلا يبرأ عنه إلا بالرد إلى المالك وإلى بانيه ولم يوجد، وإن لم يعرف صاحب المال استأمر الحاكم فيما يستعمله، وإن تعذر عليه ذلك رجوت له في الاستحسان أن ينفق مثل ذلك من ماله على المسجد فيجوز ذلك، هذا واستئمار الحاكم يجب أن يكون في دفع الوبال، أما الضمان فواجب، فإنه ذكر في وكالة «المبسوط» أن الوكيل بقضاء الدين إذا صرف مال الموكل إلى قضاء دين نفسه ثم قضى دين الموكل من ماله ضمن وكان متبرعاً في قضاء دينه، ولهذا المعنى فسدت أمور الساعين والسماسرة، ويبنى على هذا مسائل بها أهل العلم والصلحاء، منها:
العالم إذا سأل الفقير أشياءً واختلط بعضها ببعض يصير ضامناً بجميع ذلك، وإذا أدى صار مؤدياً من مال نفسه ويصير ضامناً لهم، ولا يخرجهم من غير ركوبهم، فيجب أن يستأذن الفقير ليأذن له بالقبض فيصير خالطاً ماله بماله ومنها مال مرد إذا قام وسأل الفقير بغير أمره فهو أمين، فإن خلط مال البعض بمال البعض يصير مؤدياً من مال نفسه ويصير ضامناً لهم، ولا يخربهم عن ركوبهم فيجب أن يأمر الفقير أولاً بذلك؛ لأنه إذا أمره صار وكيلاً بقبضه وبالتصرف له فيصير خالطاً ماله بماله.
في «فتاوي الفضلي» مال موقوف على سبيل الخير والفقراء ومرعياتهم ومال موقوف على المسجد الجامع، فاجتمعت من عليها ثم بانت للإسلام بائنة مثل حادثة اليوم، واحتيج إلى النفقة في تلك الحادثة، أما المال الموقوف على المسجد الجامع إن لم يكن للمسجد حاجة للحال فللقاضي أن يصرف في ذلك على وجه القرض فيكون ديناً في مال الفيء، وأما المال الموقوف على الفقراء فإن صرف إلى المحتاجين أو إلى الأغنياء من أبناء السبيل جاز لا على وجه القرض؛ لأنه صرف إلى المصرف، بخلاف المال الموقوف على المسجد الجامع؛ لأنه صرف إلى غير المصرف فلا يجوز إلا بطريق القرض.
وإن صرف إلى الأغنياء من غير أبناء السبيل فإن رأى قاضٍ من قضاة المسملين جواز ذلك جاز الصرف لا بطريق القرض لأن فيه اختلاف العلماء. نحن وإن قلنا: إنه لا يجوز ولكن لما رأى قاض من قضاة المسلمين جواز ذلك وصرف كان قضاء في موضع الخلاف، وإن لم يره قاض من قضاة المسلمين جواز ذلك يصرف على وجه القرض فيصير ديناً في مال الفيء والله أعلم.